عندما صرخت امريكا: الأمة في خطر

جفرا نيوز - بقلم - الأستاذ الدكتور عبدالله سرور الزعبي

لم اكن راغباً في الكتابة عن التعليم بسبب الاجواء التي يعيشها الشعب الاردني في ظل الاوضاع المأساوية التي يعاني منها الاهل في فلسطين وخاصة في غزة فلسطين.

 الا ان النتائج الكارثية التي حصل عليها طلبتنا في الامتحانات الدولية PISA والتي ظهرت مؤخراً، تدفعنا لدق ناقوس الخطر، وخاصة بعد ما تبعها من تصريحات صدرت عن وزير التربية والتعليم العالي مقدماً التبريرات لمثل هذه النتائج المؤلمه.

ان مثل هذه النتائج أعادتني إلى التقرير الأمريكي الصادر عام 1983 وتحت عنوان "الأمة في خطر: ضرورة إصلاح التعليم ((A Nation at Risk: The Imperative for Education Reform

وكانت عبارة عن صرخة أمريكية لإظهار مدى الخطر الذي يتهدد الأمة الامريكية بسبب تدني تحصيل الطلبة في امريكا في امتحان الرياضيات والعلوم واللغة مقارنة مع الدول الصناعية الأخرى، وهي نفس المواضيع التي يتقدم بها الطلبة من مختلف الدول للامتحانات الدولية، ومنها امتحانات PISA.

ان مثل هذه الامتحانات تعتبر في غاية الاهمية للنظام التربوي الاردني، وهو الامر الذي أكد علية وزير التربية والتعليم العالي السابق، وهو الذي اجريت الامتحانات بفترته (ربيع 2022)، وعقد الاجتماعات للاستعداد لها، وأكد على اهميتها في تحديد مكانة النظام التعليمي الاردني على السلم العالمي ( بترا-15/2/2022). 

الا انه ومع كل اسف جاءت نتائج طلبتنا الذين تقدموا للامتحان من 260 مدرسة من بين المدارس الاردنية في امتحانات PISA لدورة 2022 مخيبة للامال، حيث جاءت نتائج الطلبة لتضعنا في المرتبة 75 من بين طلبة 81 دولة شاركوا في الامتحان، اي في الترتيب السابع قبل الاخير (يبدوا اننا تعودنا على مثل هذا الموقع، فقد كنا في العقد الاول من هذا القرن من افقر 10 دول في حصة الفرد من المياه، لنتراجع إلى الترتيب السابع تقريباً قبل ما يقارب العقد من الزمن، وها نحن نحتل اليوم الترتيب الثاني في آسفل القائمة في حصة الفرد من المياه).


النتائج أظهرت ان طلبتنا حصلوا على 361 نقطة في الرياضيات (المتوسط العالمي 472) بينما كانت 400 نقطة عام 2018، وفي العلوم حصلوا على 375 نقطة (المتوسط العالمي 485) بينما كان 429 في عام 2018، وفي القراءة 342 نقطة (المتوسط العالمي 476) وكان 419 عام 2018.

بعد هذه النتائج الكارثية اليس من المنطقي ان نطرح التساؤل عن من هم المسؤولين من قيادات القطاع التربوي والتعليمي الذين أوصلونا إلى مثل هذا الوضع المؤلم خلال السنوات الاخيرة. 

هذا مع العلم بان القطاع كان يشهد نهضة قوية مع بداية القرن الحالي، كنا نلمس نتائجه في نهاية العقد الاول من هذا القرن، وكنا من رواد القطاع التربوي والتعليمي في المنطقة، لا بل نحقق مواقع متقدمة على المستوى العالمي، وشهدت لنا بذلك الكثير من دول المنطقة، وبعضها عمل على نقل التجرية الاردنية وتم البناء عليها.

وهنا لا بد لنا من ان نتحدث بمنتهى الصراحة، وخاصة بعد تصريحات معالي وزير التربية والتعليم العالي (الذي نكن له كل الاحترام)، والمنشورة بتاريخ 18/12/2023، يبين فيها اسباب تراجع نتائج الطلبة في الامتحان، قائلاً بانها تعود إلى جائحة كورونا (متناسياً بان الدول الثمانون والتي شاركت في الامتحان كانت ايضاً تعاني من الجائحة ومنها من كانت في وضع أصعب من اوضاعنا)، وتعود ايضاً إلى ان الاختبارات كانت مخصصة للدول الصناعية المتقدمة (متناسياً ايضاً ان الأردن يشارك في هذه الامتحانات للمرة السادسة، وان نتائج الطلبة في العام 2018 كانت افضل بكثير مما هي عليه الان)، لقد كنا نتوقع منه وهو الطبيب القادر على التشخيص الصحيح، ان يعلن عن خطة عاجلة، ، بدلاً من تقديم اسباب غير مقنعة على الاطلاق.

كما لا بد لنا ان نعترف بان الخلل كان وما زال في بعض القيادات التربوية والتعليمية بكافة مستوياتها وليس في الطلبة، ولنا ان نتذكر بان طلبتنا ليسوا سلبين كما يرى البعض، بل علينا ان نعترف باننا نحن من عجز عن تقديم المساعدة لهم لتثقيف أنفسهم وتحقيق ذاتهم، وتعويضهم عن الفاقد التعليمي (الذي تجاوز 50% ) بالسرعة المطلوبة (ومن المصادفة ايضاً ان الفاقد التعليمي يقارب الفاقد المائي)، لا الانتظار الى عشر سنوات لتعويضه، وحسب ما تم الاعلان عن ذلك من قبل الوزارة سابقاً. ان الانتظار لمدة عشر سنوات يعني ان جيلاً كاملاً يكون قد لحق به الضرر.

ان استمرار الوضع القائم واستمرار تراجعنا، مع عدم قدرتنا على تعويض الجيل الحالي بدل الفاقد التعليمي، ينذر بخطر كبير سينعكس لا محالة على تنفيذ الخطط الاقتصادية وتطوير الموارد البشرية والتي يجب ان تتحقق خلال عشر سنوات وكما هو مخطط لها.

ان التوجيهات الملكية السامية كانت واضحة للنهوض بالقطاع وتجويد مخرجاته ومنها ما ورد في الأوراق النقاشية السادسة والسابعة لصاحب الجلالة وكذلك مبادرات جلالة الملكة لإصلاح قطاع التعليم من حيث المحتوى والمعايير والتركيز على القيادات النوعية القادرة على اتخاذ القرار مهما كانت الظروف وتوفير الدعم المالي اللازم ضمن إطار زمني محدد، لتلبية الحاجات الوطنية من القوى البشرية القادرة على المنافسة.

وهنا نقول باننا، كلنا أمل في معالي وزير التربية والتعليم العالي ورئيس المركز الوطني لتطوير المناهج، وهو شخص غير مجامل وباحث عن الحقيقة وصاحب مصداقية عالية (كما عرفته)، ان يعلنا عن صرخة اردنية خاصة لمعلجة الخلل في القطاع التربوي، وان نعترف بالإخفاقات التي وصلنا اليها ونعلن عن المتسببين فيها، وعلى كافة المستويات التربوية والاكاديمية، والتي ادت إلى تراجعنا الواضح في معظم مؤسساتنا التعليمية، ولنبدأ بالمقارنة بالمعايير القابلة للقياس بشكل مباشر وفوري، لكي نصل إلى الحد المقبول من تسليح الشباب الاردني بالمعرفة والمهارة في اسرع وقت، لنمكنهم من القدرة على المنافسة في أسواق العمل المستقبلية، التي تتغير بسرعة مع التطورات التكنولوجية المتسارعة، وهذا ما يحقق الرؤى الملكية السامية والساعية لوضع الأردن في مصاف الدول المتقدمة.