مصلحة الوطن أولى بالرعاية

جفرا نيوز - المحامي الدكتور فراس عبد الكريم الملاحمة
تنشغل الصالونات السياسية هذه الأيام بشخص رئيس الوزراء القادم، وبقرار حل مجلس النواب ... فالتكهنات كثيرة بخصوص هاتين المسألتين، وكأنهن يمثلن نهايةً للإصلاح السياسي المنشود من قبل الأردنيين!!!
صحيحٌ أنّ الغالبية العظمى من الأردنيين تنادي بحل مجلس النواب؛ مؤسسين دعواهم هذه على عدم كفاءته، وعلى عدم مقدرته على التعاطي مع متطلبات المرحلة، وأحياناً على الآلية التي وصل من خلالها بعض أعضائه إلى تحت القبة ... وصحيح أنّ الغالبية من أبناء الشعب غير راضين عن أداء حكومة الدكتور فايز الطراونة، وتكاد تُجمع على عدم مقدرتها على أداء مهامها، والنهوض بمسؤولياتها الموكولة إليها تجاه الوطن وأبنائه، واتهامها أحياناً بإعاقة عجلة الإصلاح والدفع بمسيرته في محاولة منها لإطالة عمرها.
في الحقيقة، أنا لست من دعاة الإبقاء على مجلس النواب وعدم حله ... ولست من الداعمين لبقاء الحكومة ... ولكن الظروف والمؤشرات الحالية تشير إلى أنّ اتخاذ قرارات كبيرة تقضي بحل مجلس النواب وإقالة الحكومة في الوقت الراهن قد يكون له تداعيات قانونية وسياسية في المستقبل القريب لأسباب منها مقاطعة الإنتخابات البرلمانية المنوي إجراءها من قبل مكون أو أكثر من مكونات المجتمع الأردني ... ونظراً لعدم إمكانية حصر عدد الذين سيشاركون في الإنتخابات النيابية القادمة على الرغم من القول بأنّ عدد
المسجلين مشجّعاً على إجرائها ... وفيما إذا سيتم تمديد مدة التسجيل أم لا ... وفيما إذا سيكون العدد النهائي للمسجلين في جدوال الناخبين يمثل الشعب تمثيلاً مطلقاً، وبالتالي الحكم فيما إذا سيمثل المجلس النيابي القادم الشعب الذي يتطلع إلى ممارسة دوره في السلطة باعتباره مصدراً للسلطات. ولكن، هل الإصلاح السياسي المنشود والخروج من الأزمة السياسية يكمن في حل مجلس النواب وإستقالة الحكومة كاستحقاق دستوري؟!
إنّ مشاركة جميع أبناء الوطن وبكافة مكوناته وفئاته وأطيافه في الإنتخابات النيابية القادمة كعرس وطني يُعد مطلباً في سبيل الوصول إلى الإصلاح السياسي المنشود، وبالتالي الإنتقال من مرحلة المناداة به إلى مرحلة الدخول إلى حيّز النفاذ. فالإصلاح السياسي لا يكمن فقط في إقرار مجموعة من التشريعات التي تنظمه وهي ما أُطلق عليها بمنظومة التشريعات الإصلاحية السياسية وعلى رأسها قانون الإنتخاب. والإصلاح السياسي المنشود لا يتبلور بشكل كامل بمجرد صدور قرار بحل مجلس النواب واستقالة الحكومة كاستحقاق دستوري. فما يزال قانون الإنتخاب محل خلاف وعدم توافق من قبل بعض النخب السياسية؛ مما دعا البعض إلى إعلان مقاطعته للإنتخابات النيابية القادمة بدءاً من التسجيل لها وانتهاءً بعدم المشاركة فيها سواء كمرشحين أو ناخبين.
فهل مقاطعة البعض للإنتخابات النيابية القادمة بغض النظر عن عددهم أو نسبتهم أو مدى تأثيرهم في الشارع ستصبّ في مصلحة الوطن وأبنائه؟ من المستفيد من وراء ذلك؟ إنّ مصلحة الوطن تقتضي مشاركة الجميع بلا استثناء وإنّ كان هنالك إختلاف فيما بينهم في الرأي والإتجاه، لأن المشاركة الفاعلة والمطلقة سيكون لها الأثر الهام في تحديد شكل مجلس النواب القادم، وشكل الحكومة البرلمانية القادمة كما قال جلالة الملك.
فالحوار الهادف البنّاء يجب أن يستمر لضمان مشاركة جميع أبناء الوطن في الإنتخابات النيابية القادمة ليكون ممثّلاً ثمثيلاً مطلقاً تحت القبة فقط، وعدم إنقسامه بين القبة والشارع ... فلا ضير إذاً من تأجيل إجراء الإنتخابات النيابية القادمة ... ولا ضير في تأجيل قرار حل مجلس النواب؛ فقد تدعو الحاجة إليه في المستقبل القريب خاصة في ضوء التعديلات الدستورية التي حددت على سبيل الحصر صلاحيات السلطة التنفيذية في إصدارها للقوانين؛ ولكن دون أن يعاود المجلس ممارسة أعماله التشريعية والرقابية. ولا ضير في
الإبقاء على الحكومة الحالية؛ ولكن مع ضرورة إلتزامها بما ورد في كتاب التكليف السامي، وأن تمارس أعمالها كحكومة إنتقالية وكحكومة تسيير أعمال دون أن تتخذ قرارات رئيسة تمس الوطن والمواطن.
فلا ضير إذاً من استخدام جلالة الملك لسلطاته الدستورية في إرجاء إصدار الأمر في إجراء الإنتخابات النيابية، وإرجاء دعوة مجلس النواب إلى الإنعقاد في دورته العادية لمدة لا تزيد على شهرين، وبالتالي تأجيل حله لهذه المدة إذا كان ذلك يصبّ في مصلحة الوطن. ولجلالة الملك أيضاً السلطة في توجيه الحكومة إلى ضرورة التقيّد بما جاء في كتاب التكليف السامي والعمل في حدود مضامينه.
فمدة الشهرين هذه، وإن كانت قصيرة، إلا أنها قد تصب في مصلحة الوطن الأولى بالرعاية في ضوء الظروف الحالية التي لا تعطي مؤشراً واضحاً عن العملية السياسية المستقبلية، ومدى المشاركة فيها، والتفاعل معها. وهذه المدة القصيرة أيضاً قد تجنّب الوطن تداعيات قانونية وسياسية – لا مجال لذكرها الآن - في حال لم تسنح الظروف في إجراء الإنتخابات النيابية بعد صدور القرار بحل مجلس النواب.