هؤلاء لا يمثلون الأغلبية، ولا يشبهوننا
جفرا نيوز - بقلم حسين الرواشدة
هل يوجد لدي مجتمعنا « قابلية» للانقسام ؟ الإجابة، في تقديري، نعم.نحن لا نختلف عن غيرنا ممن تعرضوا لهذه المحنة، يمكن أن نختلف حول قضية كبرى أو بسيطة، ويمكن أن ننقسم عليها، لكن أخطر ما يمكن أن نواجهه هو أن يدفعنا هذا الانقسام إلى ضرب وحدة المجتمع، وتفكيك نسيجه، والاشتباك على أنقاضه.
قد يحدث هذا بسبب الدين ممن انتدبوا أنفسهم لحراسته بالنيابة عن الله، أو باسم الوطنية ممن يبحثون عن المغانم فيها، ويطردون غيرهم من ملتها، أو تحت أي عنوان آخر في أسواق المزادات التي تزدهر، حين تصاب المجتمعات بالضعف والانكسار.
حين ينقسم المجتمع، أي مجتمع، لا يهم أن نسأل: من أخطأ ومن أصاب، أو هل تستحق القضية أو لا تستحق، المجتمع، عندئذ، يكون بحاجة إلى قضية، أي قضية، لكي يتكلم فيها، ويعلّق عليها ما تراكم داخله من خيبات وأزمات وانكسارات، أو ينفّس من خلالها احتقاناته الدينية والسياسية والاجتماعية، وبالتالي تتحول إلى قضية كبرى، أو مشروع للخلاص، تماما كما حدث في محطات تاريخية مثقلة بالتحولات والتغيرات، بسبب «قشة قصمت ظهر البعير «.
صحيح، تستطيع المجتمعات - أحياناً - أن تتجاوز المحن الكبرى التي تمر بها، أو أن تبتلع اخفاقاتها، وتبرر أخطاءها، وتتسامح فيما بينها، لكن ثمة لحظة فارقة قد تحدث فجأة، هي لحظة «حين تكلموا بالقضية « ينقسم فيه المجتمع، ويفرز الناس أسوأ ما لديهم، وتتحول المشتركات إلى متناقضات وصراعات، ويضل العقلاء طريقهم تحت سطوة سيكولوجية الجماهير، التي تحوّل الأفراد إلى مجاميع تائهة ومنقادة لالتهام الفريسة التي يتوهمون أنها الطرف الآخر، مهما كان هذا الطرف.
لا يوجد في بلادنا ثنائيات عميقة قاتلة تستدعي الانقسام، ولا محاضن للانشطار على أساس طائفي أو ديني أو إثني، مجتمعنا ما زال يتمتع بقدر كبير من العافية والانسجام، لكن لدينا فزاعات وألغام ومصائد، أخطرها باسم الدين أو الوطن، يتولى صناعتها أو نصبها أو الرهان عليها متطرفون، أو جهلاء، أو سماسرة، غالبا ما يكونون من أبناء جلدتنا.
هؤلاء صحيح أنهم لا يمثلون الأغلبية، ولا يشبهوننا، لكنهم، في غفلة عن القانون الرادع، قادرون على دفعنا للانقسام حول أي قضية، فمجرد أن نتكلم حولها، ونستدعي ما لدينا من موروثات وانسدادات، قد نتحول -بسببهم - إلى أعداء، وكأننا لا نعرف بعضنا، ولم نتقاسم لقمة العيش فيما بيننا.
نحن، الأردنيين، مهما اختلفت أدياننا، والتربة التي خرجنا منها، ومهما تعددت أفكارنا وثقافاتنا واتجاهاتنا، وأخطاؤنا أيضا، مجتمع متنوع، واحد وموحد، لا يجوز أن نسمح فيه لأحد أن يعكر صفوه ووئامه، أو أن يجرح مشاعر أبنائه الدينية والوطنية، نحن جميعا فيه مواطنون، مدينون بالاعتذار لبعضنا إن أخطأنا، و بالشكر لكل مخلص وغيور ونظيف فينا، وبالرفض لمن يتجرأ على المزايدة علينا، أو النفخ في «كير « اختلافاتنا.
هكذا يجب أن يكون منطق الدولة، وسلوك نخب المجتمع، لكي نضمن الحفاظ على جبهتنا الداخلية، ووحدتنا الوطنية، التي تشكل قلعتنا الأخيرة لمواجهة أي انقسام يتم استدعاؤه تحت عنوان «احنا شعب وانتو شعب «، أو «من أنتم؟»، أو غير ذلك مما تفيض به قواميس الفتن والمحن، وحروب الطوائف والملل، وداحس والغبراء.