ما دور الذكاء الاصطناعي في خدمة الطب الشرعي؟
جفرا نيوز - في ظل التقدم المتسارع في مجال التكنولوجيا، تُقبل قطاعات عديدة على الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته المختلفة؛ توفيرا للجهد والوقت، وسعيا لنتائج أكثر دقة، وبحثا عن فوائد إيجابية تحسن من مستوى أعمالهم.
ومن هذه القطاعات التي تستخدم الذكاء الاصطناعي في علوم الأدلة الجنائية، الطب الشرعي، في الوقت الذي يستخدم فيه بعض الأشخاص تطبيقات الذكاء الاصطناعي؛ لغايات غير سوية، يزوّرون من خلالها صورا ومقاطع فيديوهات لأشخاص يجعلونهم ينطقون بها دون أن ينطقوا بها، أو يقوموا بأفعال لم يقترفوها.
وعرّف مستشار الطب الشرعي الدكتور هاني جهشان الذكاء الاصطناعي أنه «القدرة البرمجية على التعلم والتفكير المنطقي مثل البشر، ويمكن استخدامه في مجالات قانونية مختلفة، مثل التعرف على صور المجرمين، والوقاية من وقوع الجرائم، وتحديد هوية المرتكبين، وإعادة بناء مسرح الجريمة».
ولفت في حديثه إلى وجود بعض الإشكاليات القانونية والأخلاقية المتعلقة بالمسؤولية الجنائية عن أخطاء أو جرائم الذكاء الاصطناعي.
وبين أن تطبيقات الذكاء الاصطناعي في علوم الأدلة الجنائية تساعد في تحليل البيانات الضخمة، والتنبؤ بكيفية حدوث الجرائم، والدراسات الأمنية والإحصائية الجنائية، والرفع من كفاءة التقنيات وتحليل البيانات المستخدمة.
وشدد على أن الفائدة باستخدام الذكاء الاصطناعي ثبتت في تحليل السموم والمخدرات، والتعامل مع قواعد البيانات الكيميائية والتي تتكون من ملايين المركبات والأنماط بالتعرف على المواد الكيماوية المجهولة في الأدلة الجنائية».
وتابع: «والتعرف على مخلفات الإطلاق الناري بفحص المركبات العضوية لمحتوى الطلقة ومخلفات الإطلاق الناري العضوية والتحليل الفيزيائي لمسار المقذوف الناري داخل الجثة وخارجها، فضلا عن تحديد الجنس والعِرق والعمر من خلال بصمات الأصابع بالإضافة للدور التقليدي للبصمات كدليل جنائي».
وأكمل: والمساهمة في تحليل البصمة الجينية وخاصة في العينات المختلطة، والمساهمة في توثيق مسرح الجريمة وخاصة في تحليل وتوزيع البقع الدموية والأدلة الجنائية الأخرى، وإعادة بناء مسرح الجريمة، والتحليل السريع والدقيق والمتقدم لتحليل الإحصاءات الجنائية وعلم الجريمة.
الذكاء الاصطناعي والبروباغندا
وعرّف جهشان التزييف العميق بأنه «عملية يقوم فيها أشخاص محترفون باستخدام برامج الحاسوب بصنع مقاطع فيديو أو تعديل صورة، أو تغيير تسجيلات صوتية، يتم فيها استبدال صوت الشخص أو وجهه بصوت أو وجهٍ آخر تم إنشاؤه بواسطة جهاز الحاسوب وبرامج معينة متقدمة، والذي غالباً ما يشبه شخصاً آخر، ويكون التزييف مقنعاً لدرجة كبيرة وقريبًا جداً من الحقيقة ومن الصعب التشكيك به».
وبين أن تقنية التزييف العميق عادة ما تستخدم في مجالات الترفيه، ولكنها قد تستخدم بخبث وتضليل من قبل القوى السياسية أو الحكومات أو الجماعات المسلحة بتزييف الأخبار والأحداث وذلك بخلق «بروباغندا» عسكرية أو سياسية تهدف نشر معلومات إعلامية، بكافة الوسائل المتاحة، بطريقة خادعة.
وتابع أن ذلك بهدف التأثير عاطفيا على توجهات أكبر عدد ممكن من الجمهور، وعلى الرغم من أنها تبدو حقيقية إلا أنها تخالف الوقع وهي منقوصة كاذبة وغير عقلانية في أصلها. إن الاستخدام واسع النطاق للتزييف العميق لمواد الفيديو والصور والتسجيلات الصوتية والتي قد تستخدم كدليل في الجرائم الجنائية أو جرائم الحرب يؤشر لوجود مخاطرة كبيرة لغياب العدالة الجنائية أو ملاحقة مجرمي الحرب.
وذكر أن أغلب استخدام للتزييف العميق يتم بهدف نشر محتوى للتشهير بالآخرين إن كانوا مشاهير أو أعداء شخصيين لتصديق شيء ما أو حدث ما لم يحدث في واقع الحياة.
وشدد على أنه من أخطر وأسوأ استخدام للتزييف العميق هو استغلاله في «بروباغندا» الإعلام الحربي أو السياسي كما شهدنا مؤخرا من صور ومقاطع فيديو وتسجيلات صوتية من قبل القوات الصهيونية لتشويه صورة المقاومة الفلسطينية.
التحقق من صحة الأدلة
وذكر جهشان أن الطرق المستخدمة للتحقق من صحة الأدلة المزورة بالذكاء الاصطناعي (التزييف العميق) هي ذاتها المستخدمة للتحقق على عموم الأدلة الجنائية إن كان في المحاكم الجزائية بمختلف مستوياتها أو بالمحاكم العسكرية أو المحاكم الجنائية.
وبين إنها تشمل ثلاثة طرق: «المصادقة والتوثيق لمصدر وطبيعة الدليل وتشمل تقديم المعلومات والوثائق الدالة على أصل الدليل وهويته ومصدره وعلى الخصائص المميزة للدليل كمظهره ومحتوياته او أنماط المعلومات المتعلقة به وغياب أي مؤشرات لحدوث التزوير العميق له».
وأكمل: «الأدلة العلمية الجنائية أي تطبيق الأساليب والمبادئ العلمية الموثقة والمسندة لتحليل الأدلة المادية، والتأكد من صحتها وعلى الرغم من صعوبة اكتشاف التزوير العميق في المواد الرقمية كالأفلام والصور والتسجيلات الصوتية، إلا ان نشر مؤخرا دراسات علمية تؤكد إمكانية القيام بذلك».
وتابع: «وإن كانت هذه الوسائل في بداياتها إلا إنها تشير إلى إمكانية توفير الأدلة العلمية على التزوير العميق وتقديمه للجهات القضائية، وغالبا ما يتم ذلك باستخدام الذكاء الاصطناعي ذاته من قبل خبراء وعلماء يتمتعون بالخبرة والحيادية والسرية».
وشدد على أن الفحص الجنائي العلمي للأدلة يهدف بالإضافة لكشف التزوير العميق تحديد مصدره ودوافع وأسباب التزوير وهل هو ناتج عن خطأ بشري، أو بدافع الاحتيال، أو العبث، أو حجب الدليل الحقيقي.
وذكر أن التحقق من صحة الدليل عملية اختبار وتقييم أداء وموثوقية أداة أو طريقة الفحص العلمي الجنائي للدليل؛ للتأكد من أنها تنتج نتائج دقيقة ومتسقة. يمكن إجراء التحقق باستخدام البروتوكولات القياسية، أو تدابير مراقبة الجودة، أو مراجعة الخبراء، أو الاختبار المستقل لإثبات الصلاحية العلمية وموثوقية أداة أو طريقة الاثبات العلمي.
وشدد على أن كشف عمليات التزييف العميق من اختصاص خبراء الأدلة الجنائية الرقمية، إلا أنه غالباً ما يمكن اكتشافه من خلال بعض الآثار المرئية التي تتركها.
وتابع أنه «يمكن تمييز التزييف العميق في حال كانت درجة لون البشرة غير طبيعية، أو الظلال في غير محلها، أو الشعر غير طبيعي، كأن يكون غير مجعد أو غير متطاير، لأن الصور المزيفة لن تكون قادرة على إنتاج هذه الخصائص الفردية، أيضاً قد لا تكون الخوارزميات قادرة على توليد أسنان بخصائص فردية، لذا فإن غياب الخطوط بين الأسنان يمكن أن يكون دليلًا على زيف عميق».
وشدد على ان ما سبق خيار يفتقد للدقة وهناك حاجة لتصميم وإنشاء وتطوير برامج ذكاء اصطناعي تكون عالية الدقة بالتحليل والوصول لنتائج يمكن القبول بها كدليل في المحاكم الجنائية.
الرأي - تالا أيوب