حرب الأردن ضد التهريب تدخل مرحلة جديدة
جفرا نيوز - تشهد الحدود الشمالية للأردن في الوقت الحالي تحولات ملحوظة في سياق مكافحة جريمة تهريب المخدرات، حيث اعتمدت القوات المسلحة الأردنية تكتيكات عسكرية واستراتيجيات جديدة للتصدي للتحديات المتزايدة والتهديدات المستمرة على الحدود.
وبعد أن شهدنا في الفترة الأخيرة تحول مربع حراسة الحدود إلى ضرب ومهاجمة منابع الخطر في مهمات استثنائية كان آخرها فجر السبت الماضي، بالتعاون مع الأجهزة الأمنية العسكرية وإدارة مكافحة المخدرات، تمكنت قوات حرس الحدود الأردنية من طرد المجموعات المسلّحة إلى الداخل السوري بعد أن استمرت الاشتباكات معها منذ ساعات ما قبل فجر يوم السبت على الحدود الشمالية للمملكة، وذلك ضمن منطقة مسؤولية المنطقة العسكرية الشرقية.
وفي سياق توسيع الرؤية وتعزيز الجهود، نشهد تكامل مؤسسات الدولة والقطاعات المختلفة في هذه المهمة الحيوية. فقد توحدت القوى الأمنية، والجيش، والأجهزة الرسمية، لتكوين جبهة موحدة لمواجهة التحديات الكبيرة، بالإضافة إلى توسع الأفق أيضًا ليشمل البحث عن حلول على المدى البعيد، من خلال الاستثمار في التنمية وخلق فرص للشباب، لتقليل جاذبية الجريمة المنظمة. ويعكس هذا التوسيع الجهود الشاملة والتفكير الاستراتيجي العميق للحفاظ على أمان واستقرار الأردن، بما يتناغم مع رؤية مستقبلية واعدة.
تطوير التكتيكات العسكرية
تتسم التكتيكات العسكرية المستخدمة حاليًا بالتطوير والتحديث المستمر، حيث يسعى الجيش الأردني إلى زيادة فاعلية استراتيجياته في مكافحة تهريب المخدرات. وتشمل هذه التكتيكات استخدام تكنولوجيا متقدمة مثل تعزيز الإسناد الجوي، وأجهزة رصد راداري وأنظمة المراقبة الحدودية لتحسين رؤية الأوضاع والتفاعل الفوري.
وتشهد قواعد الاشتباك تطويرًا فيما يتعلق بالاستعداد والتجهيز، حيث يتم تعزيز تدريب القوات على التعامل مع مواقف متنوعة وتنوع التهديدات. كما أصبحت القوات مجهزة بأحدث التقنيات العسكرية لضمان الاستجابة السريعة والفعالة في حالات الطوارئ.
وقد شكّل توجيه القوات المسلحة الأردنية نحو مغادرة مربع الحراسة التقليدي والتوجه نحو ضرب ومهاجمة منابع الخطر تغييرًا حاسمًا. ويتمثل هذا التحول في الرغبة في تحديد المناطق التي يتم من خلالها تهريب المخدرات والتصدي لها قبل أن تصل إلى الأراضي الأردنية. ويشمل هذا النهج استخدام الاستخبارات والمعلومات الاستخبارية لتحديد أماكن تجمع المهربين والمخدرات.
وتركّز العمليات الحالية على تحديد واستهداف أوكار مهربي المخدرات، حيث يتم تنفيذ ضربات دقيقة وفعّالة لتعطيل شبكات التهريب. ويعتمد هذا النهج على تحليل مستمر للمعلومات والتعاون الوثيق بين الأجهزة الأمنية والجيش لتحقيق أقصى درجات النجاح.
مهنة للميليشيات
أكد الخبير الأمني الدكتور بشير الدعجة لـ«الدستور» أن عملية تهريب المخدرات التي تحدث على طول الحدود الشمالية تطورت بشكل كبير إلى عمليات مسلحة خلال السنوات القليلة الماضية، وتترافق عمليات التهريب مع استخدام أنواع غير معتادة من الأسلحة التي تستهدف المركبات والأفراد.
وقال «كان المهربون في السابق عندما يقومون بتهريب المخدرات إلى الأراضي الأردنية وعند مشاهدتهم للدوريات الأردنية ولحرس الحدود أو مكافحة المخدرات أو دائرة الجمارك يلوذون بالفرار بعد ترك ما يحملونه من مخدرات».
وأكد الدعجة أنه «بعد انهيار الأمن في سوريا نتيجة الحرب الأهلية ودخول ميليشيات من إيران وميليشيات تابعة لحزب الله وتابعة للحشد الشعبي العراقي، تواجدت هذه الجماعات في الجنوب السوري، وبالتالي أصبح تهريب المخدرات مهنة لهذه الميليشيات، بل أصبح هناك مصانع لتصنيع المخدرات داخل الأراضي السورية».
وقال إن تهريب المخدرات تطور بشكل كبير إذ أصبحت عمليات التهريب تترافق مع استخدام أنواع غير معتادة من الأسلحة التي تستهدف المركبات والأفراد. كما يتم استخدام السيارات المفخخة والطائرات دون طيار، ويمكن استخدام هذه الأسلحة لأغراض الاستطلاع والنقل، وربما لأغراض هجومية حيث يمكنها حمل الأسلحة. وأشار إلى أن المهرب يطور عمليته اليوم إذ أصبح الاشتباك يصل إلى ساعات بل أيام مما يشير الى أن هؤلاء ليسوا إلا ميليشيات عسكرية مدربة في التعامل مع الجيش الأردني.
وشدد الدعجة على أن قواعد الاشتباك كانت في السابق بسيطة احتراما لدولة سوريا واحتراما للاتفاقيات الموقعة بين الطرفين إذ كانت تتمثل بملاحقة المهربين المتسللين إلى الأردن وإلقاء القبض عليهم أو إعادتهم إلى الداخل السوري حيث يتم التعامل معهم من قبل الجيش السوري والأجهزة الأمنية السورية، أما الآن فتم الضغط على سوريا من خلال دول الجوار السوري متمثلة بالأردن والعراق والسعودية ومصر وتم عقد اجتماع تشاوري في عمان في 1 مايو 2023 من قبل وزراء خارجية هذه الدول وتم إلزام الجانب السوري بتجفيف منابع المخدرات في سوريا وضمان عدم تدفق المخدرات إلى الأردن ودول الجوار وتم وضع استراتيجية أمنية لمنع تدفق المخدرات لكن للأسف سوريا لم تلتزم بهذه الاتفاقيات بل بالعكس زادت وتيرة تدفق هذه الآفة من سوريا باتجاه الأراضي الأردنية.
وقال «بالتالي، الجيش الأردني حول قواعد الاشتباك من قواعد للتعامل مع مهربين تقليديين إلى الارتقاء والارتفاع إلى أعلى درجات الاشتباك مع هؤلاء المهربين باعتبارهم عصابات ومنظمات مسلحة لديها أسلحة أوتوماتيكية ومعدات عسكرية. وتحول الجيش الأردني من حالة الدفاع داخل الأراضي الأردنية إلى وضع هجومي لتجفيف منابع هذه الآفة».
عمل ممنهج
من جهته، أكد الخبير الأمني والاستراتيجي اللواء المتقاعد الدكتور هشام خريسات لـ«الدستور» أنّ ما جرى ويجري على الحدود الأردنية الشمالية من محاولات لتهريب المخدرات والسلاح، يأتي في إطار العمل الممنهج لجماعات التهريب وعصابات الشر القائمة على هذه العمليات، بعد أن شهدت في الآونة الاخيرة تطورا في طريقة التنفيذ ومحاولة عبور الحدود بالقوة ومن مناطق متعددة مستغلة الظروف الجوية وتواطؤ الجانب الآخر في تسهيل عبورهم.
وأضاف أن قواتنا المسلحة عملت على نقل المواجهة مؤخرا من مربع حماية الحدود إلى ضرب أوكار هذه العصابات في الداخل السوري بعد نفاد كافة السبل الدبلوماسية في ردع تلك العصابات من قبل دولة الجوار.
وأكد أن نشاط هذه الجماعات تطور إلى عمل منظم تقوم عليه عصابات للتهريب يرافقها عصابات مسلحة لتأمين الحماية لها وتمكينها من عبور الحدود، وقال «تمتلك هذه العصابات آليات مجهزة تجهيزا خاصا وأسلحة متنوعة ومعدات رؤية حديثة وأجهزة اتصالات متقدمة، وتقوم باستغلال الحدود غير المنضبطة من الجانب الآخر».
وأضاف أن المعلومات تشير إلى أن هذه العصابات تأتمر بأوامر ميليشيات وجماعات تدعمها قوى إقليمية في ظل غياب الأمن في الجنوب السوري، وأنه زاد نشاطها في الفترة الأخيرة من خلال زيادة محاولات التهريب وإطلاق النار الكثيف على قوات حرس الحدود ومحاولة العبور بالقوة.
وشدد خريسات على جاهزية وكفاءة قواتنا المسلحة، خاصة قوات حرس الحدود، في مواجهة التحديات الأمنية، وضمان سلامة حدود المملكة، وقال «أطمئن الجميع على قدرة قواتنا المسلحة ومنها قوات حرس الحدود على ضبط ودحر عصابات الشر والتهريب، وأن قواتنا تمتلك المعدات والأسلحة والآليات الحديثة والمتقدمة مدعومة بمنظومة مراقبة حديثة ويتم تعزيزها باستمرار للقيام بواجباتها على أتم وجه مع تغيير قواعد الاشتباك تبعا لنوع التهديد ومنع وقتل كل من يحاول عبور الحدود».
وأكد خريسات أن قوات حرس الحدود تقوم بدور كبير ومهم في التعامل مع هذه المجموعات من خلال التصدي لها، وطردها إلى حيث أتت، وتحت قوة النيران.
وأشار إلى متابعة الأجهزة الأمنية المتخصصة للمتعاونين مع هذه العصابات داخل الأردن، لحماية الأمن والاستقرار والسلم المجتمعي.
وأكد خريسات دعم الرواية الأمنية لما يجري على الحدود كونها شفافة ودقيقة، وتشير إلى وجود متعاونين مع المهربين داخل الحدود الأردنية، حيث تقوم قوات الأمن العام المختصة بالتعامل معهم ضمن عمليات نوعية، بالإضافة إلى أن التنسيق عالي المستوى داخل المنظومة الأمنية في كافة المجالات.
وشدد خريسات على ثقة المواطن الأردني بالقوات المسلحة والأجهزة الأمنية التي تسهر على أمننا واستقرارنا.
الدستور - كتب: ليث فياض العسّاف