تخمة الجمعيات الخيرية
جفرا نيوز - بقلم رمزي الغزوي
يذكرنا قرار وزارة التنمية الاجتماعية الصادر مطلع الاسبوع بحلّ 40 جمعية في المملكة بما اتهمنا به الإنجليز ذات سياسة بأنهم أصحاب نظرية فرّق تسُد؛ بعد أن جرحوا خارطة منطقتنا بسكين سايكس- بيكو. وبعكس تلك السياسة اتهمناهم أيضاً فيما بعد بأنهم مهندسو نظرية جمّع تسد التي أسهمت بتأسيس جامعة الدول العربية.
قريباً من وجع الرأس هذا من المؤلم ألا نطرح سؤالاً مُراً يمضغنا منذ سنوات: أية سياسة متناقضة نتخذها في تأسيس جمعياتنا الخيرية؟ وخطخطتها بسكين البلاهة والغباء؛ كي نصاب بتخمة العدد الموازي للخواء؟. حتى بات تأسيس جمعية أسهل من السهولة وبعدها يترك الأمر حتى تصل تلك الجمعيات لحالة من الضياع تستوجب تدخل وزارة التنمية الاجتماعية لحلها.
في واحدة من قرانا أعرف أسرة تأسس بأكنافها خمس جمعيات، كل فرد في تلك العالئلة رئيس لجمعية. الأب لجمعية كذا، والأم نائبة والأبناء أعضاء. والأم رئيسة جمعية كذا مذا، والأب نائب والأبناء أعضاء. والبنت الكبرى رئيسة لأخرى، والأب والأم نائب وأعضاء، وهكذا حتى نهاية المهزلة التراجيدية.
فهل خطر هذا التفتيت التجميعي على بال الإنجليز؟ أم أنه لا يخطر حتى على بال شيطان يقظان. فالحصيلة أننا أصبحنا أكثر فردية وأنانية، وغدونا جزراً معزولة تقترب من مصالحها الشخصية بحجة رسمية.
فمثلا في محافظة عجلون يصل عدد الجمعيات إلى أكثر من 200 جمعية. وهذا وضع يضع العقل في الكف. فهل تحتاج محافظة صغيرة إلى هذا الكم الهائل من الجمعيات؟ ولو كانت فاعلة وتعمل كما ينبغي للجمعيات أن تعمل فلماذا ما زالت عجلون بذيل التنمية متمرغة بالفقر وسخامه؟.
سنتخذ مقولة (إذا عُرف السببُ بطل العجب) لنفسر هذا (الإنشكاح) الكبير في التراخي بتأسيس الجمعيات. فإنشاء جمعية يعني رأساً جديداً، ويعني قنوات من الرزق تفتح عليك تمكنك من طرق الأبوب لتجمع لفقراء وهميين تبرعات وحرامات وصوبات وسمك مقطوع رأسه وطحين وغيرها.
لا أتهم أحداً، ولكني أصف المشهد البائس بطل ظلاله. علما بأن عجلون من أقل المحافظات تأسيساً للجمعيات. ولهذا أصرخ: أي قانون أبله؟ وأية حرية خرقاء غير مسؤولة منحت هذا الكم الهائل ليتناسل كنبت شيطاني في مجتمع انعدمت فيه روح التطوع، حتى غدا لاهثا نحو الفردية.
الاصل في الجمعيات أن تكون من مؤسسات المجتمع المدني الفاعلة، لكن كثيراً منها بات جسرا مربحاً للفردية. فكيف تكون عضواً في جمعية، وأنت قادر أن تصبح رئيساً للأبد لجمعية جديدة، والأمر لن يكلفك إلا توقيع أسرتك، لتكون الزوجة أمينة للسر، والابن البكر نائبا والأولاد أعضاء. لكني لا أضمن ألا تباغتك الزوجة وتؤسس جمعيتها الخاصة وتتكرم عليك بعضويتها.
الجمعيات الخيرية ملف عويص مشتبك مخجل بحاجة لقوة ولشجاعة ليفتح بشفافية وينبش، ليتم تخليص المجتمع من عوامل تفتيته وتضعيفه وتقزيمه. وليتم قطع الطريق على الفردية والشخصية والتسول المبطن والفوضى غير الخلاقة.