تقاطع التحالفات: تقرير السفارة الامريكية في عمان
جفرا نيوز - بقلم د. حمزه العكاليك
اشار تقريرًا اعدته السفارة الأميركية في عمان مؤخرا الى أن الأردنيين يعبرون، بدرجة كبيرة جدا وملحوظة، عن تضامنهم مع المقاومة الفلسطينية، وخاصة حركة حماس. وذكر التقرير، الذي أعده فريق تابع للجنة المتابعة في مقر السفارة الأمريكية في عمان، أن حركة حماس تتمتع بحاضنة شعبية واجتماعية واسعة جدا في عمق المجتمع الأردني. وأشار التقرير إلى أن أكثر من 75% من الشعب الأردني يشارك دعما للمقاومة وحماس في مقاطعة البضائع والمنتجات الأمريكية أو تلك التي تحمل العلامات التجارية الأمريكية منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر. ووصف التقرير أن شعبية حركة حماس كبيرة جدًا في الشارع الأردني، واعتبر أن هذا الموضوع يجب مناقشته لاحقًا مع السلطات الأردنية.
وفي الوقت نفسه، أشارت إحصائية صادرة عن وزارة الخارجية الأمريكية إلى أن الأردنيين هم من اكثر المتقدمين بأنواع مختلفة من التأشيرات للهجرة إلى الولايات المتحدة، والحقيقة أن الأردنيين هم من أهم الفئات التي تسعى للهجرة إلى الولايات المتحدة. حيث انه منذ سبعينيات القرن الماضي لا زال الاردنييون يحتفظون الاردنيين بتصور ان الولايات المتحدة الأمريكية وجهة جذابة للفرص، سواء كانت اقتصادية أو تعليمية أو غيرها.
أحد التفسيرات المحتملة للعدد الكبير من الأردنيين الذين يأملون في الحصول على الموافقة للهجرة إلى الولايات المتحدة هو الوضع الاقتصادي للبلاد.حيث يواجه الأردن عددًا من التحديات الاقتصادية في السنوات الأخيرة، بما في ذلك ارتفاع معدلات البطالة ونقص فرص العمل. ويرى العديد من الأردنيين أن الولايات المتحدة هي أرض الفرص، حيث يمكنهم العثور على وظائف أفضل ومستوى معيشة أعلى. وغالبًا ما تكون الاعتبارات الاقتصادية هي الدافع الأساسي للهجرة فالأردنيون ينظرورن إلى الولايات المتحدة الى حد كبير على أنها توفر فرص عمل أفضل، وأجوراً أعلى، وظروفاً اقتصادية أفضل. ويعد السعي لتحقيق التقدم الاقتصادي والاستقرار المالي حافزًا مشتركًا للأفراد الذين يسعون إلى الانتقال الى بلد الاحلام.
بالإضافة إلى ذلك، تشتهر الولايات المتحدة بمؤسساتها التعليمية ذات المستوى العالمي. حيث ان الرغبة في الوصول إلى التعليم الجيد والفرص الأكاديمية، بما في ذلك المنح الدراسية وبرامج البحث، يمكن أن يكون عامل جذب كبير للأردنيين الذين يتطلعون إلى مواصلة دراساتهم وتعزيز مهاراتهم. وبناءً على ذلك، فإن التصورات المتعلقة بنوعية حياة أعلى، بما في ذلك الرعاية الصحية والبنية التحتية ومستويات المعيشة العامة، قد تساهم في الرغبة في الهجرة. فغالبًا ما يُنظر إلى الولايات المتحدة على أنها تقدم أسلوب حياة متنوع وديناميكي يجذب الأفراد الباحثين عن فرص جديدة.
كما انه وفقاً للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، يعد الأردن أحد أكبر المستفيدين من المساعدات الأمريكية وحليفاً وثيقاً للولايات المتحدة. ويشير الاعتراف بأن الأردن يتلقى مساعدات كبيرة من الولايات المتحدة الأمريكية إلى وجود علاقة اقتصادية ودبلوماسية قوية بين البلدين. وغالبًا ما يتم تقديم المساعدات الأمريكية لأسباب مختلفة، بما في ذلك تعزيز الاستقرار الإقليمي ودعم التنمية الاقتصادية. ومما لا شك فيه أن العلاقة بين الأردن والولايات المتحدة تتميز بشراكة استراتيجية تشمل جوانب مختلفة، بما في ذلك التعاون السياسي والاقتصادي والأمني. وتعود العلاقات الدبلوماسية بين الأردن والولايات المتحدة إلى الخمسينيات من القرن الماضي. وعلى مر السنين، حافظ البلدان على علاقات مستقرة وتعاونية نسبيا؛ فعلى الصعيد الدبلوماسي، تنخرط الدولتان في حوار منتظم، وتتميز العلاقة الدبلوماسية بالاحترام المتبادل والتعاون في مختلف القضايا الإقليمية والعالمية. كما تم تعزيز العلاقات الاقتصادية بين الأردن والولايات المتحدة من خلال الاتفاقيات التجارية والمساعدات المالية. حيث تهدف الولايات المتحدة من ارسال مساعدات اقتصادية وعسكرية إلى دعم التنمية الاقتصادية والاستقرار والأمن في الأردن.
وعلى المنوال نفسه، تعتبر الشراكة الأمنية بين الأردن والولايات المتحدة أمراً حاسماً للاستقرار الإقليمي. ويتعاون البلدان في جهود مكافحة الإرهاب وتبادلا المعلومات الاستخبارية لمواجهة التحديات الأمنية المشتركة. ولعب الأردن دورًا رئيسيًا في دعم أهداف الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.كما ان جزء من مشاكل الاقتصاد الاردني هي بسبب السياسات الامريكية في الشرق الاوسط؛ ولذلك فان تقديم الولايات المتحدة مساعدات عسكرية للأردن يخدم اهدافها الاستراتيجة ويعزز قدرات الاردن الدفاعية. فهذه المساعدات تعتبر حيوية لأمن الأردن ولضمان الفضاء السياسي الاقليمي بشكل عام، خاصة بالنظر إلى موقع الاردن الجغرافي في منطقة تتميز بالتوترات الجيوسياسية.
اما فيما يتعلق بالتقرير الذي ذكر أن العديد من الأردنيين مؤيدون لحماس ومعارضون لإسرائيل. وهذا يمثل وضعاً معقداً للحكومة الأردنية، إذ يتعين عليها أن توازن بين علاقتها مع الولايات المتحدة واهتماماتها الداخلية. إن التأكيد على أن الأردنيين هم من بين أكبر مؤيدي الاوضاع الانسانية في غزه يعتمد ليس فقط على البُعد السياسي وانما على الجانب الانساني. وأسباب هذا الدعم متعددة الأوجه وقد تشمل عوامل تاريخية مثل ارتباط مصير الشعبين أو جيوسياسية أو ثقافية او دينية ؛ فعوامل الارتباط بين الشعبين كثير لا تحصى.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن غالبية الأردنيين يقاطعون المنتجات الأمريكية كتعبير سلمي عن دعم غزة. حيث ينتقد العديد من الأردنيين كما العديد من الامريكيين انفسهم السياسة الخارجية الأمريكية، خاصة فيما يتعلق بالشرق الأوسط . وهم ينظرون إلى الولايات المتحدة على أنها داعمة بلا حدود لإسرائيل على الرغم من ان الاخيرة تنتهك القانون الدولي واضرت بصورة الولايات المتحدة على المستوى العالمي. بالإضافة إلى ذلك، فإن الشعور القوي بالتضامن بشكل أساسي مع الشعب الفلسطيني قد يؤدي إلى دعم جماعات المقاومه مثل حماس. حيث إن اشارة التقرير حول نسبة عالية من الأردنيين الذين يقاطعون المنتجات الأمريكية يشير إلى مستوى من عدم الرضا أو الاختلاف مع السياسات أو الإجراءات الأمريكية، على الأرجح في المجالات السياسية والعسكرية.
ومن الجدير بالذكر أن الرغبة في الهجرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية قد تكون مدفوعة بطموحات فردية أو فرص اقتصادية، في حين أن وجهات النظر والمواقف السياسية بشأن قضايا محددة، مثل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، قد توحد الأردنيين. ويشير دعم غزة ومقاطعة المنتجات الأمريكية إلى وجود حساسيات سياسية بين السكان لمواقف الولايات المتحدة، والتي تتشكل بفعل التطورات الجيوسياسية الإقليمية و العوامل التاريخية. وبالتالي، من الضروري التمييز بين آراء عامة السكان والموقف الرسمي للحكومة الأردنية فيما يتعلق بالعلاقة مع الولايات المتحدة، لأن المشاعر العامة قد لا تتماشى دائمًا مع سياسات الحكومة. إن فهم ومعالجة الأسباب الكامنة وراء هذه المشاعر يتطلب اتصالات دقيقة وجهودًا دبلوماسية لسد الفجوات وتعزيز التفاهم الأفضل ويجب على الولايات المتحدة اعادة النظر في مواقفها من الازمه الانسانية التي احدثتها حرب اسرائيل الهمجية على القطاع والتخلي عن الدعم الاعمى للكيان المحتل.
وفي الختام، فإن الوضع في الأردن معقد ومتعدد الأوجه، وتتعدد فيه الآراء والمعتقدات. ومن المهم الإشارة إلى أن هذه التناقضات ليست مقتصرة على المجتمع الأردني.فلدى العديد من المجتمعات حول العالم معتقدات وسلوكيات معقدة ومتناقضة في بعض الأحيان. يمكن تفسير التناقضات في المجتمع الأردني بمجموعة متنوعة من العوامل، بما في ذلك السياسية والاقتصادية والاجتماعية. ومن ثم، فإن العلاقة بين الأردن والولايات المتحدة متعددة الأوجه، وتشمل العلاقات الدبلوماسية والتعاون الاقتصادي والتعاون الأمني والمصالح الإقليمية المشتركة. ورغم أن التحديات والاختلافات قد تنشأ، الا إن العلاقة الشاملة بين الدولتين تعكس شراكة استراتيجية مبنية على المصالح المتبادلة والالتزام بالاستقرار الإقليمي.