أشواك تدمي خاصرة الحياة

جفرا نيوز - بقلم رمزي الغزوي

مثل الحب تماماً. أو هو أقوى منه بكثير. إذ يباغتنا بطلته الخجولة في كوانين ويشق التراب ويخرج بزهرته البيضاء المتوجة بالذهب. هو شقيق العاشقين الذين يخافون على حبهم جراح البوح، فيبوح عنهم بكل هذا الألق الشتائي الرزين: أهلا بالنرجس العابق. الذي يثبت أن باستطاعة زهرة واحدة، أن تصنع ربيعاً في صفحات البرد. 

ثقافتنا المعاصرة تطلق لقب (النرجسي) على الشخص الأناني، وهذا جاء من أسطورة الفتى الجميل الذي كان لا يريد أن يحادث أية امرأة، فهنَّ لا يلقن به، وكم تمنى لو يجد مخلوقاً يضاهيه جمالاً، فهو لن يصادق أحداً أقل منه، حتى لو كلفه هذا أن يظل وحيداً.

ذات مرة قعد الفتى وكان اسمه (نرسيس) جانب بنهر صغير، والشمس ساطعة تحول النهر مرآة صافية تعكس الأشجار والسماء. نظر نرسيس فرأى وجهاً جميلاً في الماء، فرك عينيه ليتأكد، ثم نظر ثانية في صفحة الماء. هذا الوجه ما زال هنا، لا بدَّ أنه جاء من أجلي، إنه أجمل وجه رأيته في حياتي... يكاد يشبهني، لولا هالة النور التي حوله. هذه هي المرأة التي أبحث عنها.

حدّق نرسيس في النهر ثم مدَّ يده إلى صفحته، فاضطرب الماء، واختفى الوجه؛ فحزن، ثم عاود الكرة بعد أن ركد الماء، فاختفى الوجه من جديد، وهكذا ظل نرسيس على حاله، يوماً بعد يوم، لا يتحرك ولا يأكل، لا يبعد نظره عن وجه الماء، حتى انزرعت ساقاه في ضفة النهر، وصارتا جذوراً، وشعره الطويل المتجعد صار ورقاً، فيما وجهه الأبيض وتاجه الذهبي، صارا تويجات بيض وصفر. تحول الفتى نرسيس إلى زهر النرسيس (النرجس).

أحزن على ذلك الفتى الذي ربما أحب العالم من خلال جماله. أما الأنانيون الذين لا يكتفون بحب أنفسهم فقط، بل يكرهون من أجل ذلك الناس والعالم وكل من حولهم أيضاً، هؤلاء لو قدر لهم أن يجلسوا بجانب نهر، وينظروا إلى صفحة الماء فأنهم سيتحولون إلى أشواك معدنية حادة وقبيحة وشريرة، لأنهم لم ينطلقوا إلى حب أنفسهم من خلال حب العالم، وحب الآخرين، بل حبهم لأنفسهم أعماهم عن حب الآخرين ومحبة أعمالهم وتقديرها!!.

فمرحى لحب الناس، وحب أعمالهم، حتى لو كانت صغيرة، ومرحى لكل من يتخذ محبتهم هدفا نبيلاً وشريفا يسعى لتحقيقه في حياتنا القصيرة، ومرحى لزهر النرجس الجميل، وتباً لكل الأشواك القبيحة التي تدمي خاصرة الحياة.