ماهي أسباب اقبال الأردنيين على التقاعد المبكر؟

جفرا نيوز - يصنف مراقبون الأردنيين بأنهم أكثر ميلاً للراحة من العمل الشاق في ظل إقبال كثير منهم على التقاعد في سن مبكرة

تقول منظمة الصحة العالمية إن الاقتصاد العالمي يخسر نحو تريليون دولار سنوياً جراء نوبات الاكتئاب التي تصيب العاملين والعاملات في ظل بيئات عمل غير صحية نفسياً ، بحسب وكالة الأنباء الأردنية "بترا". 

"العمر ينتهي والعمل لا ينتهي" بهذه الكلمات يلخص معظم الأردنيين وجهة نظرهم تجاه ثنائية "العمل والراحة"، وفيما يدعو البعض إلى التوازن بين العمل والحياة الشخصية حفاظاً على الصحة، يرى آخرون أن التوقف عن العمل هو عدو الصحة الأول. فحتى أوائل القرن الـ20، كان العمال يكدحون في العمل لمدة تصل إلى 100 ساعة في الأسبوع خلال الثورة الصناعية، بينما تشهد أنماط العمل اليوم جنوحاً إلى وسائل أكثر راحة واسترخاءً كالعمل من المنزل أو الأعمال المكتبية.

 دراسات تؤيد

علمياً، كشفت دراسة منسوبة لمجلة الأوبئة وصحة المجتمع البريطانية، أن من يتقاعدون في سن مبكرة تكون أعمارهم أقصر ممن يتقاعدون في سن متأخرة.

ووفقاً للدراسة فإن الأشخاص الذين استمروا في وظائفهم إلى ما فوق سن الـ65، كانوا أقل عرضة للوفاة بنسبة 11 في المئة. ويعتقد معدو الدراسة بأن العمل وليس الوظيفة بحد ذاتها هو ما يدفع البشر إلى حياة أطول، حتى ولو كان هذا العمل تطوعياً، لأنه يؤدي إلى إشغال النفس والنشاط والحركة. وفي دراسة أخرى يقول مختصون إن القيام بالأعمال لمدة نصف ساعة يومياً يقلل من خطر الموت بنسبة 28 في المئة. وخلصت دراسة نشرها باحثون في دورية "لانست" التي تعد من أقدم وأشهر المجلات الدورية الطبية في العالم، إلى أن الأعمال البسيطة، وليس بالضرورة الرياضة، كافية للتمتع بصحة جيدة.

وثمة أمثلة عديدة تؤيد وجهة النظر القائلة بأن العمل يطيل العمر بعكس ما هو معتقد، من بينها الأكاديمي الياباني المرموق في جامعة "ليوك" اليابانية، شيجيكي هندوهارا الذي توفي قبل سنوات عن عمر ناهز 105 سنوات، وكان يؤمن بقوة أن التقاعد المبكر لا يطيل عمر الإنسان، وأنه من الأفضل ألا يتقاعد الإنسان عن العمل، وفي حال أصر على ذلك فمن الأفضل أن ينهي عمله بعد عمر الـ65.  

 عمل أم راحة؟

يصنف مراقبون الأردنيين بأنهم أكثر ميلاً إلى الراحة من العمل الشاق استناداً إلى إقبال كثير منهم على التقاعد في سن مبكرة، ويزيد إجمالي عدد المتقاعدين في الأردن على 300 ألف متقاعد.

وينص قانون العمل الأردني على تحديد عدد ساعات العمل اليومية بثماني ساعات ولا تزيد أسبوعياً على 48 ساعة كما يستثني منها أوقات الراحة وتناول الطعام.

ويسرد رجل الأعمال الأردني طلال أبو غزالة تجربته في العمل منذ طفولته، إذ يصنَّف لدى الأردنيين بأنه "عدو للراحة"، إذ كثيراً ما احتج على العطلات الرسمية التي كانت الحكومة الأردنية تعلنها في بعض الظروف الجوية.

يعتقد أبو غزالة بأن الراحة مضرة بالصحة، ويبلغ اليوم 85 سنة من العمر، ولا يزال يعمل يومياً ولساعات طويلة، ويؤكد أن ثقافته في الحياة قائمة على العمل، مضيفاً أن "العمل هو الصحة والراحة وهو الدواء الوحيد لأي مشكلة".

بيئة العمل

يعتبر الطبيب النفسي محمد أبو حليمة أن "الإيذاء النفسي في بيئة العمل قد يؤدي إلى الوفاة نتيجة الضغوط المتراكمة وتحولها إلى أمراض عضوية. ومن بين هذه الضغوط التهديد والأذى اللفظي اللذان يؤديان إلى القلق والتوتر ومن ثم أمراض مثل السكري والجلطات القلبية". لكن وفقاً لمديرية الطب الشرعي في وزارة الصحة الأردنية لا توجد إحصاءات تؤكد أن سبب الوفاة المباشر في العمل هو الضغط النفسي. ويتحدث "المرصد العمالي الأردني" عن خلو بيئات العمل في سوق العمل بالأردن من الفحوص النفسية الدورية للعاملين، وعدم وجود إجراءات تخفف الضغط النفسي عليهم.

من ناحية ثانية، يؤكد إخصائي الصحة العامة، الدكتور منذر عودة، أن "العمل يطيل العمر بالفعل وفقاً لدراسات عالمية تؤكد أن من يعمل في الشيخوخة يكون أقل عرضة للوفاة المبكرة"، مشيراً إلى ظاهرة عمل المسنين في المجتمعات الغربية حتى بعد تقاعدهم، وارتفاع متوسط سن الوفاة لديهم بخلاف المجتمعات العربية. ويفسر عودة ذلك بالقول إن "العمل يحافظ على النشاط البدني والعقلي والصحة العامة، ويبعدهم عن التوتر والاكتئاب الناجم عن التقاعد والجلوس طويلاً بلا حراك، لشعور المتقاعدين بوجود هدف أو معنى لاستمرارية حياتهم، ومن ثم الابتعاد عن خطر الوفاة المبكرة".

لكن في المقابل، يعتقد آخرون أن هذه القاعدة ليست عامة ولا يمكن أن تنسحب على الجميع، إذ يمكن أن يتسبب العمل بوفاة صاحبه نتيجة وظائف شاقة أو خطرة، أو نتيجة احتراق نفسي وضغوط نفسية متراكمة، إذ تشير تقديرات إلى وجود أكثر من 350 ألف حالة وفاة في مكان العمل سنوياً في جميع أنحاء العالم. 

 الأذى النفسي

 لا يوجد توافق على إجابة واحدة على سؤال إن كان العمل يطيل العمر أم يقصره، إذ إن الأمر مرتبط بعوامل عدة قد تؤثر إيجاباً أو سلباً في الصحة العامة والعمر، كنمط الحياة والشعور بالرضا الوظيفي والإجهاد الزائد وساعات العمل الطويلة وبيئة العمل.

وتشير مديرة مركز "تمكين" لحقوق الإنسان ليندا كلش إلى "معايير أساسية لحق العاملين، كتحديد ساعات عمل، والإجازات، لكن لا أحد يتطرق إلى الصحة النفسية في بيئة العمل وإصدار تشريعات متعلقة بذلك". وتضيف كلش أن "قانون العمل أعطى العامل حق ترك العمل من دون إشعار في حال تعرض للتحقير".

ويعتقد حمادة أبو نجمة وهو أمين عام سابق لوزارة العمل الأردنية، أن "عمالاً كثراً يتعرضون للتهديد والعنف النفسي"، مطالباً بتشريعات تحميهم من العنف النفسي.

ففي عام 2021 ضجت وسائل التواصل الاجتماعي في الأردن بقصة المواطنة الأربعينية "حمدة" التي كانت تعمل في مصنع للخياطة بمنطقة الأزرق، وتعرضت لضغوط نفسية وإهانة وإساءة من قبل رئيسها في العمل، ففارقت الحياة بعدها بدقائق نتيجة انفجار شريان دماغي.

وتقول منظمة الصحة العالمية في تقييم أجرته عام 2019 إن الاقتصاد العالمي يخسر نحو تريليون دولار سنوياً جراء نوبات الاكتئاب التي تصيب العاملين والعاملات في ظل بيئات عمل غير صحية نفسياً.

صحيفة ذي إندبندنت