رقم هاتف السنوار وحرب الإسرائيلية الفاشلة.. الملثم يكسب المعركة

خلال اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة حاول المندوب الإسرائيلي جلعاد أردان لفت الأنظار بلقطة مسرحية على منبر الأمم المتحدة رافعا رقم الهاتف المحمول يحيى السنوار، والذي تبين أنه لا علاقة له برئيس حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في غزة، وردت الحركة مباشرة بنشر رقم الهاتف المحمول لأردان نفسه، فانهالت عليه المكالمات والرسائل التي لم ترق له من مختلف أنحاء العالم.


أثارت لقطة أردان سخرية واسعة داخل اجتماع الجمعية العامة وخارجه، ولم تكن سوى نموذج من إدارة الحرب النفسية ومعركة الوعي القائمة على قوة الصورة والإقناع وكسر السرديات، والتي نجحت فيها حركة حماس إلى حد بعيد، كما تثبت الوقائع والتحليلات الإسرائيلية ذاتها.

أدركت حركة حماس والمقاومة أن الداخل الإسرائيلي مشتت في ظل حكومة اليمين بقيادة بنيامين نتنياهو، والتي تواجه وضعا داخليا متوترا ومنقسما بشدة بطبعه ثم رافضا للحرب، وقد وجدت هذه الحكومة نفسها أيضا أمام رأي عام عالمي غير مقتنع ثم مشكك فرافض في أغلبيته للسرديات الإسرائيلية، ولم تستطع دعايتها المكثفة والمرتبكة أن تسند أيا من هذه السرديات، بل وقعت بدورها في الكثير من الأخطاء الساذجة والتزييف والسقطات الإعلامية.

في المقابل، استطاعت حركة حماس النفاذ من خلال نقاط ضعف إسرائيلية كثيرة لإعادة تشكيل الرأي العام الإسرائيلي والعالمي المستهدف.

ويقول جال يافيتز -من قسم علوم الاتصال بجامعة بار إيلان الإسرائيلية- لصحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية إن "حماس كانت تعرف وتتفهم نقاط ضعف إسرائيل وتستخدمها بطريقة ساخرة ومتلاعبة".

7 أكتوبر بين الفعل ورد الفعل
أسهمت الحرب النفسية المخطط لها بعناية لحماس والمقاومة منذ ضربة "طوفان الأقصى" ولاحقا الاستثمار الفعال لموضوع الأسرى والمحتجزين والخسائر العسكرية الإسرائيلية في تقويض هذه السرديات، وأسندت ذلك باستثمار دقيق للصور ومقاطع الفيديو المركبة بحرفية، مع الظهور المتواتر والمؤثر للناطق باسم كتائب القسام الذراع العسكرية لحماس أبو عبيدة الذي أصبح في حد ذاته أداة وظاهرة اتصالية شديدة التأثير.

وبشكل استثنائي، شكل هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي على غلاف غزة صدمة عسكرية ونفسية للمجتمع الإسرائيلي ساعدت حركة حماس والمقاومة بشكل كبير في تحديد مسار الحرب النفسية واستلام قصب السبق في هذا السياق.

وتمكنت الحركة من التحكم في تدفق المعلومات ومقاطع الفيديو للعملية التي تظهر ضعف الجيش الإسرائيلي وارتباك قياداته، بهدف تفكيك الصورة النمطية وإحلال صورة الجيش المهزوم والعاجز عن حماية المجتمع الإسرائيلي نفسه.

وأحكمت المقاومة لعبة الاتصال منذ الساعات الأولى لطوفان الأقصى عبر ظهور قائد أركانها محمد الضيف ثم المواد المصورة للإعلام الحربي التابع لكتائب القسام، ثم بروز الناطق باسمها أبو عبيدة عبر حسابات تطبيق تليغرام حين شهدت الساعات الأولى نشر نحو 50 منشورا على التطبيق المتاح (مع الحظر المفروض على التطبيقات)، ثم الظهور المتدرج والمحسوب لقادتها بالخارج، وكانت هذه السياسة الاتصالية ناجعة وناجحة، خصوصا مع الارتباك الكبير للحكومة الإسرائيلية.

كانت السياسة الاتصالية لحركة حماس والمقاومة عبر الخطابات والمنشورات ومقاطع الفيديو والتدخلات الإعلامية تركز على أهداف ذات أبعاد نفسية تستهدف بنية المجتمع الإسرائيلية، ويمكن اختزالها في التالي:

استغلال الانقسام الداخلي في إسرائيل للنفاذ بقوة الصورة والإقناع.
تعميق هذا الشرخ والانقسام لتعميق الأزمة السياسية.
إظهار صورة الجيش الضعيف والمهزوم.
إظهار ضعف وأخطاء نتنياهو وحكومته.
إظهار القوة والبأس العسكري للمقاومة والقدرة على التخطيط والتنفيذ.
زرع الخوف والإحباط في المجتمع الإسرائيلي وضرب نظرية الأمن الإسرائيلية.
وفي هذا السياق، يقول الباحث في حرب المعلومات بجامعة حيفا الدكتور يانيف ليفيتان لصحيفة هآرتس الإسرائيلية إن " الحرب النفسية من الأسلحة الرئيسية في ترسانة حماس، لأنها تسمح للحركة بتحقيق إنجازات كبيرة بتكلفة منخفضة للغاية".