لا أعني أحدًا أبدًا أيها الصمت
جفرا نيوز - بقلم رمزي الغزوي
هل كان سيكفي أن تلكم وجه الحيط بقبضتك الراعشة، وتلطم دفة الباب من وجع كلما ارتفع عدد الشهداء في هذه الهلوكوست الإسرائيلية في غزة؟ هل سيكفيك ألا تأكل شيئاً وتغصّ في بعض الماء وتبكي لتتطهر من قهر علق بحبالك الصوتية بعد صرختين مباغتتين؟ أخ من قهر الرجال وقلة الحيلة.
هل سيكفي أن تشارك بمسيرة صاخبة فتضيع حشرجاتك بين جماهير دافئة حدَّ التعرق؟ هل سيكفي أن تحمل شعاراً من كلمات غاضبة لا تقرؤها إلا حدقات الكاميرات وعما قليل سيذهب أدراج النسيان. مالجدوى من كل تحركاتنا وانفعالاتنا . نحن متعبون.
أم هل سيكفي أن تتسمر أمام شاشة التلفاز حتى الفجر تجوب الفضائيات المتلعثمة بلطخات أخبار المجازر؟ هل سيكفي أيها المسكين أن يتحول حبر الصحف إلى دم يعلق بالأصابع يمسح كل كلماتنا التي كتبناها عن عن الحب ؟ هل سيكفيك أن تتساءل أيها الرومانسي في زمن البلادة والبرود العالمي عن ذلك الذي سيسقط راء الحرب. وهل ستسقط هذه الراء يوما ما وهل حقا سيحل بدلا منها الحب. اي حب هذا ايها الواهم أما زلت تؤمن أن الحرب والحب يخرجان من حنجرة واحدة.
هل سيكفي أن تتلو قصيدة من زمن العنفوان أو قصيدة عيوننا إليك، أو تسترجع ما كتبته قبل أكثر ثلاثة عقود عن دموع كانت تتحول إلى حجارة بأيادي الأطفال الأبطال؟ هل سيكفي أن تبتكر مسرحاً مختلفاً تكون فيه المشاهد الوحيد، والمخرج والممثل والكمبرس، فما عليك، إلا أن تدخل غرفة فارغة وتواجه جداراً متجهماً، ثم توغل صارخا بشتائم من تحت الحزام على هذا العالم البليد البارد القاتل. العالم قاتل حين يسكت عن القتلة.
متعبون متعبون حد نخاع العظم نحن ونحتاج مسرحاً فارغاً إلا من جدار، ندخله صبح مساء؛ علنا نخفف لهيب غيظنا، ونتطهر من أدراننا التي تسرطنت وصارت أكبر من أحجامنا، فالشوارع لم تجدِ نفعاً.
سندخل المسرح منفردين بعيداً عن المسرح العالمي الفاتخ الذي انقلب الجميع فيه إلى متفرجين على غطرسة وعنجهية إسرائيل وجرائمها المتفاقمة. سأدخله وأواجه الجدار: لست أعني غزة الجريحة طريحة الدمار والدماء والوجع والجوع ولست أعني حقول البارود المبلول ولست أعني النار والدمار لست أعني الاشقاء والإخوان، ولست أعني ضمير العالم، لست أعني أحداً؛ صدقني لمرة واحدة يا أيها ا ل ج د ا ر.