الشمس لا تغطى بغربال
جفرا نيوز - بقلم عامر طهبوب
لا عفوية في استهداف المنزل الذي كانت تقطن فيه أسرة الزميل معتز العزايزة، وفقدان نحو 15 فرداً من أهله، ولا عفوية في استهداف أسرة الزميل الإعلامي وائل الدحدوح، واستشهاد زوجته وابنته وولده وحفيدته، ولا عفوية في قصف منزل الزميل مؤمن الشرافي، وقتل كل من البيت بمن فيهم الأم، والأب، والأخ، والأخت، وزوج الأخت، وزوجة الأخ، وأولادهم جميعاً، ولا عفوية قط في قصف المنزل الذي تقطن فيه أسرة والد الزميل أنس الشريف، ما أدى إلى استشهاد والده، ولا عفوية أبداً في استهداف 80 صحفياً ومراسلاً منذ بدء العدوان على غزة.
ومنذ أيام وأنا أؤجل كل يوم الكتابة عن أنس الشريف وبطولاته، بسبب تدحرج الأحداث، وعدم القدرة على ترتيب أولويات الكتابة، وآن الأوان اليوم أن أكتب عن أنس، وعن حكاية هذا الشاب الوطني المقدام الذي لا يعمل لدى قناة الجزيرة، وإنما لصالحها كصحفي متعاون أثبت بما لا يدع مجالاً للشك أنه بطل التغطيات، وأبرز فارس مغامر في الميدان، يضع روحه على كفه، يذهب إلى قلب الاشتباكات، يصل إلى بناية مدمرة قبل أن يصلها أحد، وعندما يتعرف على موقع قصف من بعيد، يسارع إلى الوصول إليه، ولا أظنه فكر لحظة في مصيره.
بهرني أنس الشريف، ولاحترامي وإجلالي للدور الذي يضطلع به، فقد أطلقت عليه لقب «قرد»، تحبباً، وإعجاباً بقدرته على التواجد في كل موقع قُصِف أو استُهدِف، إنه «أسد»، ومناضل وطني مقدام، وفي كل موقع تقع فيه الاشتباكات، تجد أنس، لكن الأهم أن هذا الشاب الذي تلقى تهديداً من جيش الاحتلال أو رجالات أمنه إذا لم يتوقف عن التغطية، واصل تغطياته بتسمية الأشياء بأسمائها الحقيقية، فهو لا يقول استهداف، بل يقول عدوان، ولا يقول قصفاً جديداً، بل يقول: جريمة جديدة.
وعقب استشهاد والده، أعلن أنس أنه سيواصل التغطية من جباليا، ومن شمال قطاع غزة، وقال إن الاحتلال لا يريد لصورة جرائمه أن تخرج، ورغم استشهاد أبي، سأستمر في التغطية، وهذا ما فعله مؤمن، وما فعله من قبلهما وائل الدحدوح.
هؤلاء فرسان الحقيقة، بدونهم ما كانت الصورة تظهر للعالم، صورة الجرائم الوحشية لجيش الاحتلال، ولمثل هؤلاء ترفع القبعات، وترفع القبعة لجيفارا البديري التي تعرض نفسها لخطر يمكن أن يودي بحياتها باستهداف قناص، كما فعل الاحتلال في قتل شيرين أبو عاقلة، وترفع القبعة لنجوان سمري التي طالما تعرضت إلى مضايقات جيش الاحتلال في الضفة، والشرطة الإسرائيلية في القدس، والقائمة طويلة لمن يستحقون الانحناء أمامهم، ورفع القبعات في حضرتهم، ومن بينهم الصديق زياد حلبي، والزميل إلياس كرّام، ومحمد عوض، وأحمد حرب، وخضر الزعنون، وهبة عكيلة، وغيرهم كثير.
إسرائيل لا تريد نقل الصورة، لا صورة هزيمتها، وصورة الجرحى من جيشها، ومشهد تساقط الجنود موتى في الميدان، ولا تريد نقل صور جرائمها البشعة في قصف المنازل على رؤوس أهلها، ولا صور الأطفال والنساء، ولا تريد لصور «القسام» أن تصل إلى شعبها، لا تريد للحقيقة أن ترى درباً للظهور، فكل ما يجري على أرض غزة، يدين إسرائيل، أو يكسر شوكتها.
سيبقى ابن جباليا أنس الشريف في قلب جباليا، وسيبقى ذلك الحائط الذي يؤدي إلى منزلهم، يحمل ذلك الإعلان القديم الذي خُطّ على الحائط: «أفراح آل الشريف»، والفرح مؤجل، والنصر قادم ما دامت غزة وأهل غزة على مثل هذا الصمود الأسطوري، الملحمي، الاستثنائي، وهذه المقاومة التي ما زالت قادرة رغم عشرات أطنان بارود ألقي على غزة، ورغم انشغالها بالمعارك الضارية، ما زالت قادرة على قصف تل أبيب، وعموم مستوطنات غلاف غزة، والحقيقة ستظهر جلياً ولو بعد حين، فالشمس لا تغطى بغربال.