الاقتصاد الأردني وحرب غزة.. أفكار وحلول

جفرا نيوز - بقلم د.حيدر المجالي* 

أوضح جلالة الملك عبد الله الثاني خلال لقائه الفعاليات الاقتصادية المحلية مؤخرا أهمية التعاون ما بين القطاعين العام والخاص للتأقلم مع الأوضاع الاقتصادية القادمة بعد حرب غزة لأن اقتصاد الأردن بعد 7 اكتوبر 2023 لن يكون نفس الاقتصاد قبل 7 اكتوبر 2023 نتيجة تداعيات الحرب. وقد بين جلالة الملك أهمية هذا التعاون والتنسيق بين كافة القطاعات الانتاجية ليجتاز الاقتصاد الأردني هذه المرحلة مستشهدا جلالته انه وبفضل الله لطالما نجح الأردن في تجاوز الازمات الاقليمية والعالمية التي شكلت خطرا كبيرا عليه إلا أنه خرج منها بقوة وفعالية أثبتت للعالم قوته ومتانة اقتصاده.


وكما نعلم فان السلام والاستقرار يعتبران من الشروط الأساسية للتنمية الاقتصادية المستدامة في اي منطقة أما حالة عدم الاستقرار وقيام الحروب فستترك نتائج كارثية على اقتصاديات الدول وتنعكس سلبا على مستوى الخدمات والانتاج ونسب النمو فيها وعندها سنرى مؤشرات النمو الاقتصادي لهذه الدول تتأثر بشكل مباشر كارتفاع نسب البطالة وارتفاع مستوى التضخم وانخفاض نسب النمو وانعدام الثقة في الاقتصاد وغيرها من المعطيات التي تترك أثرا سلبيًا على معدلات النمو العام وتسهم في تدهور اقتصادياتها.

وفيما يتعلق بآثار الحرب في غزة على اقتصاديات دول المنطقة فأود الإشارة إلى أن آثار الحرب  كارثية من الناحية الانسانية أولا والاقتصادية والاجتماعية ثانيا وستؤثر بشكل كبير على كل من اقتصادات الأردن وفلسطين ومصر ولبنان في المرحلة القادمة فمثلا من المتوقع أن يواجه الاقتصاد الأردني تحديات مالية واقتصادية نتيجة للتأثيرات المباشرة وغير المباشرة للحرب ما لم يتم اعتماد سياسات اقتصادية وتدابير طارئة للتعامل مع هذا الموقف كما سنوضح لاحقا. فعلى سبيل المثال سيتأثر الاستقرار الاقتصادي والنمو نتيجة تراجع حركة السياحة والاستثمارات الأجنبية المباشرة وتدهور الثقة في الاقتصاد. ثانيا سيكون للأزمة الإنسانية والاجتماعية في غزة والضفة الغربية تأثيرات مباشرة على الأردن حيث قد يتعين علينا تحمل أعباء أزمة انسانية جديدة ناجمة عن تداعيات هذه الحرب البشعة والظالمة وستؤدي هذه المستجدات الى استنزاف الموارد الحكومية وتشكيل ضغط كبير على الميزانية العامة للدولة وبالتالي انخفاض معدلات النمو الاقتصادي تبعا لذلك. على صعيد آخر ستتأثر التجارة الخارجية والتبادل التجاري بين الأردن وقطاع غزة والضفة الغربية مما يؤثر على حركة البضائع والخدمات والصادرات والواردات وقد تفرض القيود والعوائق التجارية عبئًا إضافيًا على الشركات والمصانع الأردنية في المرحلة المقبلة مما يصعب من مهمتها في إيجاد الفرص الاقتصادية الواعدة. وأخيرا سنشهد على الأغلب انخفاضا في تدفق الاستثمارات الخارجية على الأردن مما سيترك بصمات سلبية على النمو الاقتصادي في المدى القصير والطويل ويتطلب اتخاذ تدابير وقائية من قبل الحكومه لمواجهة هذا الظرف بالسرعة الممكنة.

أما بالنسبة للتأثير القطاعي فسنرى آثار الحرب واضحة على قطاع الاستثمار والأعمال وستتأثر مدخلات العملية الاستثمارية والإنتاجية نتيجة ارتفاع التكاليف وارتفاع أسعار الطاقة وتتأثر خطوط الإنتاج والتصدير وغيرها من المظاهر السلبية بحيث تصبح الصناعات الأردنية غير منافسة ومكلفة وتصبح البيئة الاستثمارية طاردة مما يخفض مساهمة القطاع الصناعي في الدخل الإجمالي من 25 % من الناتج المحلي الاجمالي الى 17 %، أما قطاع السياحة فسيكون أكبر القطاعات المتأثرة بشكل مباشر حيث سينخفض عدد السياح الأجانب للمنطقة نتيجة إلغاء حوالي 50 % من الحجوزات السياحية مما يعني تأثر الإيرادات السياحية للخزينة والتي تشكل ما نسبته 14-15 % من الناتج المحلي الإجمالي (أي حوالي 4.8 مليار دينار سنويا) الى مستويات متدنية مما يشكل ضغطا إضافيا على معدلات النمو في العام المقبل. 

أما قطاع التجارة والنقل فسيتأثر أيضا بسبب الاضطرابات في المنطقة وسترتفع كلف الشحن والتأمين والتوصيل نتيجة وجود قيود على حركة البضائع والتجارة البينية مما سيعقّد المشهد الاقتصادي ويصعب الأوضاع الاقتصادية للأفراد والشركات في المرحلة المقبلة حيث من المتوقع انخفاض مساهمة هذا القطاع في الناتج المحلي الإجمالي من 7.5 % إلى 5.2 %، على صعيد آخر فمن الممكن أن يتأثر المخزون الإستراتيجي للأمن الغذائي الأردني أيضا وقد نواجه صعوبات في تلبية الاحتياجات الغذائية المحلية في الفترة القادمة بالرغم من احتلال الأردن مركزا جيدا في مؤشر الجوع العالمي لعام 2022 كدولة آمنة غذائيا ولهذا فمن الضروري العمل على زيادة مخزون الغذاء واتباع سياسة حكومية داعمة للقطاع الزراعي لسد الفجوة المتوقعة في منظومة الأمن الغذائي. 

وفيما يخص الحلول المقترحة لمواجهة هذه التحديات فيجب على الحكومة تبني سياسات اقتصادية جريئة واتخاذ إجراءات تحفيزية للتغلب على تحديات الحرب وما بعد الحرب لتعزيز الاستقرار الاقتصادي وحماية القطاعات المختلفة في الدولة.

وقد تشمل هذه الإجراءات حماية الاستثمارات، دعم الشركات والأعمال، تحسين بيئة الأعمال وتسهيلها، تحفيز الإبداع والمرونة من خلال تطوير برامج سياحية مميزة تستجيب للتحديات الجديدة، تعزيز التجارة الدولية والإقليمية، تعزيز الابتكار وريادة الأعمال كالاعتماد على الطاقة البديلة مثلا، تعزيز الاحتياطات المالية وتوفير صناديق طوارئ لتمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة وأخيرا تحفيز الاقتصاد المحلي وإعادة هيكلته لخلق فرص عمل جديدة حيث من المتوقع أن تتأثر بيئة الأعمال مما يتطلب الاستعداد لتقديم مساعدات مالية لضمان استمرارية العمل وتأمين الرواتب وتأجيل الأقساط البنكية والفوائد وتنفيذ حزم للتحفيز الاقتصادي وتعزيز النظام المصرفي وضمان استقراره للحفاظ على متانة الاقتصاد الوطني واستقرار الدينار.

بالإضافة إلى ذلك يجب ألا ننسى الدور المهم للحكومة في إقناع المجتمع الدولي للاستمرار في دعم الأردن في مواجهة هذه التحديات الاقتصادية كاستمرار المنح الخارجية والقروض والتسهيلات المالية وتقديم المساعدات الاقتصادية لكي لا تكون هنالك نتائج كارثية تؤثر على استقرار المنطقة بشكل عام.

ختاما فإن ما شدد عليه جلالة الملك في لقائه مع الفعاليات الاقتصادية وتأكيده على أهمية التعاون مع الحكومة لوضع خطط إستراتيجية بناءة وتشكيل فرق متخصصة قادرة على تشخيص أبعاد أزمة حرب غزة وأثرها على الاقتصاد الوطني إنما يصب في المصلحة القومية الأردنية لحماية الاقتصاد ودعمه وهذا يتطلب تعاون كافة القطاعات الاقتصادية بمحوريها  التنظيمي والإنتاجي لوضع الخطط التي تمكن الاقتصاد الأردني من المنافسة والوقوف صامدا أمام هذه التحديات مثل الاستفادة من المقاطعة المجتمعية للمنتجات الداعمة للعدو الإسرائيلي في توفير منتجات وطنية بديلة تساهم في تغطية النقص الحاصل في المنتجات المقاطعة وتساعد على تقليل الفجوة النوعية بين المنتج المحلي والأجنبي.

*خبير اقتصاد واستثمار