قضية شرفاء العالم
جفرا نيوز - بقلم رمزي الغزوي
في حسابات الدكاكين سيبدو أن كفة الشعوب المقاومة طائشة، فيما كفة العدو راجحة ثقيلة في ميزان القوى. ولكن منذ متى تؤخذ الأوطان بأقوال الدفتر والميزان ذي الكفتين؟ ومنذ متى كانت معادلات الكيمياء أيضا ذات تأثير حين نتحدث عن حرية وتحرير البلدان والسعي للكرامة؟ فلربما يربح الواحد وطناً وهو حطام في ركام الركام، وقد يخسر نفسه من كان مترعاً بأسلحة الدمار.
في هذا المعركة ربحت غزة الصابرة وهي تحت النار والحصار والدمار. وخسر العدو المثقل بالدروع والتحصينات والمدعوم بسياسات دول ثقال. فليس صحيحاً أو دقيقاً أن ميزان الدكان يقيس كمية الكرامة ومقدارها، أو يستطيع حساب كثافة الصمود ومعناه، أو يقدر على أن يكيل حجم الكبرياء ويحدد أطوال القامات.
لا تقبل القضايا الوطنية الكبرى في الحياة غير حسابات التضحيات والإصرار والعناد وطول الأنفاس، وفلسطين قضية أكبر من كل تلك الحسابات المهادنة الخائقة المرتعشة. هي قضية كل شرفاء العالم عبر التاريخ. قضية من لا تفغل عينه عن معاني الحق والحقيقة.
كانوا يقولون كيف لعين أن تلاطم مخرزاً مبرياً مجنوناً؟ كيف لشعب أعزل محاصر أن يقارع قوة مدججة بالسلاح والغطرسة والغرور. لكن الوقائع أكدت أكثر من مرة أن العين فقأت عيون المخارز وكسرتها ودحرتها وجعلتها من ورق لا يقوى على جرح مهما كان.
هذا معركة جديدة كبيرة تكسبها فلسطين في هذه الحرب الطويلة. فهذه القضية وبعد أكثر من 75 من محاولات الطمس والطمر تعود حية متوهجة وكأنها وقعت الآن. ظن الظانون أن الأجيال ستنسى كما تمنى ذات زهو متكبر أول رئيس لوزارء الكيان الصهيوني بن غوريون. لكن هذه الأجيال التي رضعت القضية مع حليب الأمهات ثبت أنها لم تنس ولن تنسى.
المعركة الجديدة خلقت توازنات جديدة في مواجهتنا الطويلة مع هذا الكيان الغاصب مختلفة في حسابات القوة والأمن، أحدها أن العدو لن ينعم بالأمن مهما كانت قوته، ما دام يحتل شبرا من الأرض ويمنع هواء الحرية. نقطة وسطر جديد. ويجب أن يعي هذا العدو أنه لن ينعم بالسلم.
الشيء الأكثر عمقا أن القضية الفلسطينية كان يجب أن تسمى منذ البدء بالقضية الإنسانية لعادلتها وظرفها المختلف. هذه القضية التي اعتقدنا أن مفاوضات أوسلو الكارثية ستطمسها وأن الزمن قادر على أن يسقطها بالتقادم. الآن هذه القضية في موقع الصدراة وفي الصدور والأرواح. هي مثل طائر الفينيق الأسطوري الذي ما أن يحترق حتى نراه يقوم نافضا عن جناحيه رماده البارد.