أخبار ومشاهد من فلسطين!

جفرا نيوز - بقلم: د. زيد ابوزيد 
أمين سر المكتب السياسي لحزب العدالة والإصلاح 

بداية هذا الاسبوع ،وما تلته من أيام ، فيها أخبار استرعت إنتباهي،  وكثيرًا ما تسترعي إنتباهي الأخبار عندما تصدر من  واشنطن بوصفها العاصمة الأكثر دعمًا للكيان الصهيوني، وعندما  يتعلق الأمر بقضية فلسطين المقدسة ، أولى الأخبار كان خبر إستشهاد مجموعة من قادة المقاومة الفلسطينية في غزة من  قادة  كتائب القسام  وهي التي أعجزت جيش الإحتلال  الصهيوني، وجعلت من قطاع غزة مقبرة لضباط وعناصر الجيش الصهيوني ودفعت الكثير من ضباط وجنود الاحتلال للهروب من ساحة المعركة ،  وبالتأكيد فالأرض الفلسطينية حبلى بأبطال مثلهم، فقد استمرت المعارك بوتائر متصاعدة رغم ارتقاء الشهداء القادة ،  وافعالهم  البطولية التي زرعت الرعب في قلوب الجيش  الصهيوني، دليلًا إلى أن  المقاومة لا تعتمد على قائد أو أثنين لإدارة عملياتها، وبإذن الله سيهزم جيش الإحتلال كما حدث من قبل ،ومن جانب آخر فعندما يعلن  عضو مجلس الشيوخ الأمريكي كريس ميرفي أن عدد الضحايا المدنيين في غزة غير مقبول و أنه يجب على المشرعين الأمريكيين النظر في ربط المساعدات لإسرائيل بامتثالها للقانون الدولي الإنساني فإن هذيدلل أن البعض في مجالس التشريع الأمريكية والاوروبية أصبحت أكثر وعيًا بحجم الاجرام الصهيوني، وهذا سيكون له ترددات على صورة الانتخابات الأمريكية، كما أن إعلان نائب مستشار الامن القومي الامريكي في نفس اليوم أن تمديد صفقة تبادل الاسرى ممكنة و ستتم إذا كانت حماس مستعدة لمواصلة إطلاق سراح الرهائن فهذا يعني شيئا واحدًا ان حماس حققت اهدافًا مهمة و حاسمة في معركة طوفان الأقصى، و أن هذه الاهداف ما كانت لتتم بأي شكل من الأشكال لولا أن طوفان الاقصى شكلت انعطافة حادة في قضية الصراع مع الكيان الصهيوني وأن أبطال القسام سيلقنون العدو الصهيوني درسًا لن ينسوه،أما المشهد الذي سيرسخ في ذهن المواطن الإسرائيلي والفلسطيني والعالم إلى الأبد فكان تسليم مقاتلي كتائب القسّام لأسرى إسرائيل وسط شمال مدينة غزة التي شهدت أعنف المواجهات وبكامل عتادهم العسكري للدفعة الثالثة من أسرى إسرائيل. في مشهد مهيب ومنطقة محاصرة من دبابات وأفراد جيش الاحتلال الصهيوني وكأنهم يقولون هل وصلت الرسالة نحن هنا ، وسنبقى هنا في انتظاركم أيها الجبناء،  وها هي الأنباء  تتوارد عن تمديد صفقة تبادل الاسرى، وهنا و رغم عدم ثقتي المطلقة بالكيان الصهيوني بكافة مكوناته و احزابه الا أن ما تم يشكل فرصة تاريخية  للمجتمع الدولي لإعادة اطلاق عملة سياسية محددة الأجل بعدة شهور فقط لإنهاء الإحتلال عبر خطوات عملية تنهي مفهوم الدولة اليهودية أحادية القومية و الدين و تعطي للفلسطينيين وطنهم الموعود بقرارات الشرعية الدولية لان العنف في ضوء الانتهاكات المستمرة بحق الشعب الفلسطيني سيستمر و سيعطل اي فكرة العلاقات اسرائيلية عربية طبيعية و هذا ما اوضحه بشكل حازم و حاسم و جلي جلالة الملك عبد الله الثاني الذي بين بشكل واضح ان لا حل للصراع إلا بحل القضية الفلسطينية  ومنح شعب  فلسطين حقوقه المشروعة بدولة  فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس. 

وهنا يبدو أنّ اتفاقًا للتهدئة بوساطة مصرية قطرية يتواصل  لتمديدها بين المقاومة الفلسطينية في غزة وعمادها حركة حماس من جانب، وحكومة الاحتلال الصهيوني من جانب آخر إذا تحقق للاطراف شروطها، والقاعدة أصبحت مهيأة لاتفاق مثل هذا وربما يقود ذلك إلى وقف نهائي للحرب بعد انكشاف ضعف وتخبط وكذب نتنياهو وحكومته المتطرفة بتصريحاتها غير المقبولة في أي سياق وتسببت في ضياع سمعة وتأييد إسرائيل الأعمى بداية اكتوبر إلى حدٍ بعيد.

  ولكن بما أنّ المزاد على لحم الشعب الفلسطيني مفتوح مؤقتًا يبقى خيار الحرب مستمرًا وتوسعها موجودُا في الأفق مادامت معايير هذا العالم مختلة ومزدوجة.

أما وقد حصد من حصد ثمار هذه الحرب، إذ إنّ السياسة في أنظمة كهذه الأنظمة لا أخلاق لها، وكل ما يُحقَّق أهدافها ويخدم مصالحها مباح، وكل ما يقوم به السياسيون أشخاصًا أو أحزابًا أو دولًا لتحقيق تلك الأهداف والمصالح جائز ومشروع، وفي منطق من  هذا النوع من السياسة لا شيء ثابت أبدًا، ولا عداوة دائمة، وكذلك لا صداقة دائمة بل المصالح من يحكم المشهد، ولا مكان فيها للعواطف والمُثُل، لا على مستوى الدول والحكومات والأحزاب،  فإنّك تجد في  السياسة طريقًا لبعثرتها، وشقّ صفها، وتمزيق وَحدتها، وإثارة العداوة والأحقاد والكراهية بين أفرادها بما يخدم المصالح اقليميًا وعالميًا. 

    ومن يحترف السياسة بمفهومها المجرد لا بد من أن يكون قادرًا على العيش منزوع الضمير، متجمد المشاعر والأحاسيس، ولديه القدرة على تقديم التنازلات مهما كانت صعبة وغير مقبولة، لتصل إلى حد التضحية بأقرب الناس؛ من أجل تحقيق مصلحته الشخصية أو الحزبية كي يبقى في دائرة الأضواء وفي مقدمة الصفوف؛ لذا، فلا عجب أن تتحول جثث الأطفال والنساء وأشلاؤهم وحرائق المدن وخرابها إلى جسر عبور يمشي فوقه رجال السياسة نحو كراسيّ الحكم. 

     ولأنّ مأساة غزة هي محور الحديث أعود فأقول: إنّ هذه المأساة صنعتها السياسة بالمشاركة مع آلة الحرب، وإنّ ما تعرّضت له من عدوان وقتل ودمار مستمرّ، ما هو إلا نِتاج صراع سياسي صهيوني -صهيوني، إلى جانب الحقد الأعمى الذي يكنّه كلّ صهيوني مهما كان حزبه وهُويته السياسية على الأمة العربية، وخاصة على الشعب الفلسطيني المقاوم.

     لقد شنّت الحكومة الصهيوني حربًا مجنونة على قطاع غزة البطل؛ ليكون مَخرجًا لما تعيشه من صراع سياسي داخلي، ولتحقّق مكاسب سياسية ترفع نسبة الفوز في الانتخابات القادمة، ولم يجد هذا الكيان الغاشم أفضل من الحرب الوحشية دعاية انتخابية وبرنامجًا سياسيًّا يقدمه للناخب الصهيوني، الذي تلذذ  بصور الآلاف من الأطفال والنساء والرجال القتلى، وبتدمير غزة على رؤوس سكانها، مستغلًّا حالة عدم الوفاق السياسي بين الفصائل الفلسطينية في ظل انقسام عربي واسع؛ فكان الدم الفلسطيني قربانًا. ولكنّ المقاومة صمدت، والشعب انتصر بفضل من حمل السلاح ووقف في ساحة الوغى مدافعًا عن الدم الفلسطيني والأرض الفلسطينية؛ فكانت غزة وبالًا على جنرالات الحرب، مثلما كانت أيضًا دليلًا على أنّ دولة الاحتلال لا ترغب في أي نوع من السلام، وهي تسعى إلى إبادة أبناء الشعب الفلسطيني كلهم وتهجيرهم؛ من أجل تحقيق حلم إسرائيل الكبرى. 

إنّ ما حدث من غزو لغزة وتدمير لبنيتها، وقتل وتطهير لا شكّ في أنّه سيقود الشعب الفلسطيني شاء أم أبى إلى الوَحدة والوفاق، ولا بد من المصالحة الوطنية لمواجهة التطرف الصهيوني الذي أظهرته نتائج الحرب، إذ إنّ الصهاينة يتجهون بشكل تصاعدي نحو مزيد من التطرف والإجرام ضد الشعب الفلسطيني.

     وتصريحات اليمين المتطرف التي تعِد فيها بالقضاء على حركة حماس، وترحيل أبناء الشعب الفلسطيني يجب أن تأخذها الفصائل الفلسطينية كلها بجدّية، على الرغم من أنّها تأتي في سياق الوهم الذي تعيشه القيادات والأحزاب الصهيونية بأنّ بإمكانها استئصال المقاومة المتغلغلة في صفوف الشعب الفلسطيني كله، ويجب أن توضع قضايا الصراع في موقعها السليم بعيدًا عن ردود الفعل التي تشابه الفعل الخطأ نفسه، ولو من موقع النقيض الشكلي له؛ لأنّ وَحدة الانتماء الديني والمذهبي لم توفر للمقاومة الفلسطينية في غزة دعمًا من بعض العرب، بل جاء الدعم على قاعدة الموقع من الصراع، لا على قاعدة الانتماء الديني الذي غالبًا ما سخّره متاجرون أو غزاة؛ من أجل تعزيز مواقعهم ومصالحهم قبل سواها.

إنّ الحرب على غزة مع الكيان الصهيوني يجب أن تفرض مرونة لا بد منها في التعامل مع موضوع الوَحدة الوطنية الفلسطينية، وهي وَحدة يجب أن تُبنى من جديد على أساس برنامج كفاحي شامل، على طريق بناء دولة ديمقراطية في فلسطين يتعايش فيها الجميع بشكل متساوٍ وحرّ في صياغة دولة مؤقتة (تاريخيًّا) ذات سيادة وقدرة على الحياة.

أمّا قوى التغيير الشعبية، فعليها مهمّات، أولها: الحسم بشأن الأولويات، والأولوية هنا مواجهة المشروع الأمريكي ــ الصهيوني الذي توسع في السنوات الأخيرة ليشمل أنظمة وقوًى كانت تكتفي حتى ذلك التاريخ بالسكوت أو بالتواطؤ... وثانيها: بلورة المستلزمات الضرورية للانخراط في الصراع وفق هذه الأولويات، ضمن عملية تمايز لا تُخِلّ بها، بل تضفي عليها طابع الغنى والتنوع وتحدي الارتقاء إلى مستوًى أرفع؛ من أجل معركة واحدة مصيرية لا تُذهب سدًى دماء أطفال غزة وتضحيات شعبها ومقاوميها وصمودهم، وكي تُهزَم العنصرية الصهيونية المجرمة فلا تتكرر المآسي والمجازر في فلسطين أو لبنان أو العراق أو ليبيا أو سوريا، ومن أجل ألّا يجرؤ مرة أخرى طامع أو غازٍ على الاعتداء على سيادة بلد أو كرامة أي شعب عربي.