الناقل الوطني للمياه – جلالة الملك يتدخل
جفرا نيوز - كتب - الأستاذ الدكتور عبدالله سرور الزعبي
لم يفاجئني تدخل جلالة الملك وبحضور سمو ولي العهد بتوجيه الحكومة لإعطاء الأولوية القصوى لتنفيذ مشروع الناقل الوطني للمياه، باعتبار قضية المياه قضية امن وطني واستراتيجي بالغة الخطورة.
هذا المشروع الذي بدأ الحديث عنه بشكل رسمي، منذ ما يقارب العقد من الزمن، وبعد أن طويت صفحة مشروع ناقل البحرين (البحر الاحمر- البحر الميت) بسبب مماطلة الحكومة الإسرائيلية بالموافقة على تنفذه ولأكثر من عقد من الزمن. لقد كان بإمكان الاردن تنفيذ المشروع منفرداً في ذلك الوقت، إلا انه ارتأى ان يكون بالتشارك مع إسرائيل والسلطة الفلسطينية لحفظ حقوقها ولأسباب اخرى منها الكلفة المالية والتي ستقع على عاتق الأردن لوحده عندها.
كما انه ومن منطلق اهتمامي بموضوع المياه وخاصة الجوفية منها ولمدة قاربت من الثلاثة عقود، ومتابع ايضاً لقطاع المياه وأزماته ومشاكله الاخذة بالتفاقم سنة بعد اخرى، حتى انخفضت حصة الفرد السنوية من المياه إلى ما يقارب 61 متر مكعب، والتي هي اقل من ℅15 من حصة الفرد المقرة لحد الفقر المائي المطلق (حسب الاستراتيجية الوطنية للمياه للأعوام 2023-2040). هذآ الحصة مرشحة للانخفاض إلى ما دون ذلك، وخاصة مع التردد الذي قد تعودنا عليه في السنوات السابقة في اتخاذ القرارات الاستراتيجية ذات الاهمية للأمن المائي والغذائي وأمن الطاقة وضعف في خلق البيئة الاستثمارية وتراجع في البيئة التعليمية (إلى ان وصل الفاقد التعليمي إلى أكثر من 50%، حسب التصريحات الرسمية)، مما فاقم أزمة البطالة وأدى إلى ضعف في النمو الاقتصادي، الأمر الذي أدى إلى رفع المديونية لأرقام قياسية.
كما انه لمن الملفت للانتباه، تبني عدد من الاستراتيجيات الوطنية للمياه، لم يتم التقيد بها خلال المدة الزمنية التي أعدت لها. فعلى سبيل المثال، الاستراتيجية الوطنية لوزارة المياه للأعوام 2008-2020، والتي كان من أهم أهدافها زيادة حصة الفرد من كميات المياه من خلال عدد من المشاريع، منها مشروع ناقل البحرين (البحر الأحمر- البحر الميت) والعمل على تقليل الفاقد المائي من 42% إلى 28% والتوسع بإنشاء السدود، والتي كان منها سد وادي ابن حماد، والبالغ تكلفته الى ما يقارب 55 مليون دينار، دون الاستفادة منه لتجميع المياه (حسب معالي وزير المياه السابق محمد النجار) والذي سبق وان حذرنا معالي وزير المياه من ان الموقع غير مناسب لأسباب تكتونية في عام 2011، وقد اخذ بذلك، الا ان المفاجئة كانت بتنفيذه فيما بعد.
ان الاستراتيجية السابقة، تم استبدالها باستراتيجية اخرى للأعوام 2016-2025، والتي من أهدافها ايضاً زيادة حصة المواطن من المياه بالتركيز على المياه الجوفية العميقة والعمل على تنفيذ مشروع الناقل الوطني وتقليل الفاقد المائي إلى ما نسبته 25% وغيرها منّ الأهداف. لا انه وفي عام 2022, تم المباشرة بإعداد خطة استراتيجية وطنية جديدة للمياه للأعوام 2023- 2040 واطلقت هذه السنة، وتهدف ايضا لرفع حصة المواطن الأردني والتي انخفضت لتصل 61 متر مكعب من المياه سنوياً، عن طريق تنفيذ مشروع الناقل الوطني وإدراج مشروع الازدهار الأزرق للمياه (الذي أوقفت الحكومة السير بإجراءات التوقيع على تنفيذه) وحفر الابار العميقة في مناطق شرق المملكة وخاصة في منطقة البازلت وغيرها من المناطق، لأعماق تصل إلى 1200 متر (مع ان موضوع الاعتماد على المياه الجوفية العميقة، لا يمكن اعتباره من الخيارات الاستراتيجية بعيدة المدى، من حيث كميات المياه المتاحة والموثوقة والمستدامة لفترات طويلة، ونوعيتها والتي هي في معظم الأحيان ملوثة بالأملاح والإشعاعات احيانا وتكاليف استخراجها ومعالجتها تكون باهظة. يضاف إلى ذلك هدف تخفيض الفاقد المائي (الذي تجاوزت نسبته 50%) الى النصف مع نهاية العام 2022.
انه لمن الملاحظ، ان الاستراتيجيات الثلاث، قد تم اعدادها واعتمادها من قبل ثلاث من الوزراء كانوا قد تعاقبوا على الوزارة لفترات زمنية تجاوزت 90% من الزمن خلال العشرين سنة الاخيرة.
ومع كل ذلك، وخلال هذه المدة، لم يكن هناك زيادة في حصة الفرد من المياه، لا بل انخفضت إلى ما يقارب النصف منذ عام 2015 وحتى نهاية 2022، ولم تنخفض نسبة الفاقد المائي، بل كانت في ازدياد إلى أن وصلت إلى أكثر من 50% من كميات المياه المتدفقة في الشبكات.
هذا مع العلم بان موضوع الفاقد المائي، سبق وان تم التحذير من تفاقم مشكلته من خلال الكثير من الدراسات المختلفة ومنها دراسة الادارة المتكاملة لمصادر المياه والممولة من الحكومة الالمانية، والتي كنت قد شاركت بها إلى جانب عدد من الزملاء من وزارة المياه ومنهم معالي الدكتور حازم الناصر والجامعة الأردنية.
كما ان بعض التقارير تشير إلى انه لم يتم بذل الجهد الكافي خلال السنوات الماضية للاستغلال التمويل الدولي والذي كان متاحاً الى حد ما، لموجهة آثار التغير المناخي على قطاع المياه.
امًا وقد تدخل جلالة الملك (وهو صاحب الفكر الاستراتيجي، ويستشعر الأزمات قبل حدوثها المحلية منها والاقليمية والدولية ويحذر قادة العالم من خطرها قبل حدوثها) وبحضور سمو ولي العهد، ووجه الحكومة لتنفيذ مشروع الناقل الوطني، فأننا وبكل تأكيد سنكون مطمئنين إلى ان المشروع سيرى النور وفي أقصر وقت ممكن.
ان تنفيذ توجيهات الملك، يتطلب من الحكومة ايضا، ان تعمل وبنفس السرعة على تخفيض الفاقد المائي من الشبكات (أكثر من 50%) ومن قناة الملك عبدالله والتي تجاوزت نسبتها إلى اكثر من 25% من كميات المياه المتدفقة فيها)، والاخذ بعين الاعتبار نوعية شبكات المياه المنوي استخدامها، لكي نتفادى الأخطاء السابقة، وتكون قادرة على تحمل الضغط اثناء عمليات الضخ المتقطع (في جميع الأحوال لن يكون انسياب المياه فيها مستمر).
ان عدم معالجة موضوع الفاقد والتوسع ببناء محطات معالجة المياه وتوسيع القائم منها بشكل موازي وبصورة عاجلة قبل البدء بتشغيل الناقل الوطني سيؤدي حتماً إلى خسارة مئات الملايين من الدنانير ككلفة مباشرة لأثمان المياه (التي سيتم تحليتها وضخها) والكلف غير المباشرة لعدم استخدامها في التخفيف من معاناة المواطنين واستخداماتها الاخرى في الزراعة والتي ستنعكس على الامن الغذائي والصناعة وغيرها من المشاريع التنموية الاخرى.