آثارُ غزةَ إذ تُصبحُ أطلالاً بعد الفسفور الأبيض
جفرا نيوز - لا تهدد الصراعات المسلحة السكان المدنيين فحسب، بل كذلك الممتلكات الثقافية. وعلى الرغم من أن التراث الثقافي تحميه تشريعات عدة، مثال ذلك اتفاقية لاهاي لحماية الممتلكات الثقافية في حالة نزاع مسلح لسنة 1954م، إلا أن ذلك لم يمنع الكيان الصهيوني من استهداف التراث الثقافي الفلسطيني ، فالذي لا يحترم حياة الأطفال والمدنيين الأبرياء لن يحترم سلامة التراث الثقافي.
فقد شن العدو الإسرائيلي عدوانه على قطاع غزة مرات عدة، بدأت سلسلتها الجديدة في أواخر عام 2008م وأواخر عام 2012م و 2014 و 2019 و 2021 و 2022 وآخرها 2023، وهذا ما أدى إلى إلحاق أضرار واسعة في كافة مناحي الحياة الفلسطينية منها الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية، وكان تأثيرها على التراث العمراني المتمثل بالمواقع والمباني الأثرية الأثر الأوسع، وفي كل مرة كان الإنسان الفلسطيني عرضة للقتل وتراثه عرضة للسرقة والتدمير، حتى إن التراث الثقافي غير المادي، مثل العادات والتقاليد والأطعمة والأزياء، لم يسلم من العبث الإسرائيلي، فنسبوا الكثير منه لأنفسهم.
تزخر غزة بالعديد من الأماكن ذات الأهمية الحضارية كالمتاحف والمواقع الأثرية والثقافية المهمة، جميع هذه الأماكن والمواقع عانت وتعاني من آثار العدوان الإسرائيلي، وخصوصاً مع استخدام المعتدي لقنابل الفسفور الأبيض، المحرم دولياً، وكذلك
القنابل الزلزالية:
متاحف غزة
تضم غزة 12 متحفا تشتمل على ما يقارب 12 ألف قطعة أثرية، كلها شيدت بجهود ذاتية رغبة من أهل غزة في الحفاظ على تراثهم. تعرضت هذه المتاحف لأضرار متفاوتة نتيجة للقصف الإسرائيلي، فضلا عن ترك بعضها دون حراسة أو متابعة إما لتهجير القائمين عليها أو استشهاد بعضهم، مما أدى إلى سرقة العديد من معروضاته، والتي في كثير من الحالات تظهر مرة أخرى في المتاحف الإسرائيلية.
فقد أصاب القصف الإسرائيلي متحف خان يونس بأضرار كبيرة، ودمر العديد من القطع الأثرية، وأصاب بناية المتحف بأضرار بالغة. ومن أبرز متاحف غزة التي تعرضت لأضرار تتراوح بين شروخ في جدرانها وتصدعات أو تدمير أو تكسير لبعض المقتنيات متحف العقاد الذي تأسس منذ 44 عاما وهو يضم 2800 قطعة أثرية من عصور ما قبل التاريخ إلى العصور الحديثة، وكذلك متحف قصر الباشا الذي شيد في العصر المملوكي وحُول إلى متحف في عام 2010، وتعرض لأضرار تحتاج إلى التدخل العاجل.
كنيسة القديس برفيريوس وهي كنيسة أرثوذكسية شرقية في حي الزيتون بمدينة غزة وهي أقدم كنيسة في المدينة، ويعتقد أنها ثالث أقدم كنيسة في العالم، مما يعطيها أهمية دينية عالمية ويجعلها مرشحة لتكون على قائمة التراث العالمي.
يعود تاريخ البناء الأصلي للكنيسة إلى عام 407 م فوق معبد وثني يعود لحقبة سابقة. البناء الحديث قام به الصليبيون في خمسينيات أو ستينيات القرن الحادي عشر وأهدوها للقديس برفيريوس. تم تجديد الكنيسة في العام 1856 لكنها تحتوي العديد من العناصر التي تعود إلى الفترة الصليبية.
في التاسع عشر من أكتوبر تعرضت الكنيسة للقَصف من قِبل الطائرات الإسرائيلية. وقد أدى القصف إلى تدمير جزء من مبنى الكنيسة بالإضافة إلى عدد كبير من القتلى والجرحى.
المساجد الأثرية
جامع السيد هاشم، وهو الجامع الذي بني فوق ضريح جد الرسول -صلى الله عليه وسلم- هاشم بن عبد مناف. دمر في الحرب العالمية الأولى في عام 1917، وأعيد بناؤه مرة أخرى، ولكن القصف المستمر حوله أدى لتصدع بعض جدرانه، وكذلك الحال بالنسبة لجامع الشيخ زكريا في حي الدرج في غزة الذي أنشيء في القرن الخامس الهجري/ الـ11 الميلادي.
ولم يسلم كل من جامع الشمعة في حي النجارين، وجامع الشيخ عبد الله وهو جامع قديم في حي التفاح مدفون به الشيخ عبد الله الأيبكي وهو من مماليك السلطان المملوكي عز الدين أيبك، وجامع ابن عثمان والذي شيد في القرن الثامن الهجري من الدمار بفعل آلة البطش الصهيونية.
الجامع الكبير في غزة، المعروف أيضا باسم المسجد العمري الكبير، هو أكبر وأقدم مسجد في قطاع غزة، كان الموقع في الأصل عبارة عن موقع لمعبد فلسطيني قديم استخدمه البيزنطيون فيما بعد لإقامة كنيسة في القرن الخامس الميلادي. بعد الفتح الإسلامي في القرن السابع الميلادي، تم تحويله إلى مسجد. لقد تم ترميم وإعادة بناء المسجد عدة مرات على يد المماليك والعثمانيين على التوالي في القرنين الثالث عشر والسادس عشر الميلاديين. يقع هذا المسجد في شمال غزة، حيث تكثف قوات الاحتلال الغاشم من عدوانها، لذا لا يمكن حالياً معرفة درجة الدمار التي حدثت له على نحو دقيق.
جامع ابن عثمان
جامع ابن عثمان هو مسجد تاريخي يقع في حي الشجاعية في مدينة غزة ، ويعتبر أحد أجمل نماذج العمارة المملوكية في فلسطين. بُني المسجد أثناء العصر المملوكي في القرن الخامس عشر الميلادي وذلك على يد الشيخ أحمد بن عثمان
مقام إبراهيم الخليل:
يقع في قرية عبسان الكبيرة وإلى الجنوب من المقام مباشرة توجد أرضية من الفسيفساء الملونة الجميلة ذات رسوم تنوعت ما بين طيور، أوراق نباتية، و لفائف زخرفيه، و كتابات و زخرفة الصليب المعكوف "المفروكة " ،و يرجع تاريخ هذه الأرضية إلى عام 606م.
يضاف إلى ذلك العديد من المساجد الأثرية والتي تحمل في جوانبها العديد من القيم الثقافية والحضارية، مثال ذلك مسجد المغربي وجامع المكمة البردبكية.
ومن المنشآت الأثرية التي تضررت من القصف الإسرائيلي على غزة سبيل السلطان عبد الحميد، أو ما يعرف باسم "سبيل الرفاعية، وهو منشأة معمارية ، تعد أحد المعالم التي عرفت في العصر العثماني وأقدمها، وهو السبيل الوحيد المتبقي، تم بناء السبيل عام 1570م، ويقع في شارع الوحدة في حي الدرج بالقرب من متحف قصر الباشا، وما زال إلى هذا اليوم محتفظا بالشكل القديم لبنائه.
ميناء الأنثيدون أو موقع البلاخية الأثري هو موقع أثري يقع شمال غرب مدينة غزة القديمة في فلسطين. الموقع هو ميناء يعود للفترة الهيلينستية، وقد استمر وجوده حتى العهد البيزنطي.
سوق القيسارية
يقع في حي الدرج وهو ملاصق للجدار الجنوبي للجامع العمري الكبير، ويعود بناء السوق إلى العصر المملوكي، ويتكون من شارع مغطى بقبو مدبب، وعلى جانبي هذا الشارع حوانيت صغيرة مغطاة بأقبية متقاطعة يطلق عليه سوق القيسارية أو سوق الذهب نسبة إلى تجارة الذهب فيه.
قلعة برقوق:
أنجز بناء القلعة في عام 789هـ-1387م، بنيت على شكل مجمع حكومي كامل، وهي حصينة متينة عالية الجدران، وفيها مسجد وبئر، أقيم نزل لاستقبال المسافرين، وإسطبل للخيول، ويوجد على أسوار القلعة أربعة أبراج للمراقبة والحماية. وكان يقيم في القلعة حامية من الفرسان ، وإلى وقت قريب حتى 1956م كانت معظم مباني القلعة الداخلية موجودة، ولكنها اندثرت تدريجيا، وبقيت إحدى البوابات والمئذنة و أجزاء من سور القلعة شاهدة على عظمة هذا الأثر التاريخي الهام.
وختاماً، يمكن القول بأنه ونتيجة لاستمرار العدوان الصهيوني على غزة، فإنه من الصعب، بل من المستحيل، حصر حجم الدمار الذي حصل للتراث الفلسطيني وخصوصاً المعماري منه.
جامعة اليرموك