كيف يحد العلاج بالموسيقى من أعراض الإعاقات والاضطرابات الوظيفية؟

جفرا نيوز - يُعرَف العلاج بالموسيقى بأنه التدخل الذي يقوم على استخدام بعض الأنشطة الموسيقية مع ‏المريض، بهدف التغلب على القصور الوظيفي، والأعراض غير المرغوب فيها والمصاحبة ‏لبعض الأمراض التي يعاني منها، بهدف تلبية احتياجاته، وتحقيق حالة من التوافق الجسدي ‏والنفسي. ‏

ويعد العلاج بالموسيقى من أشهر أشكال العلاج بالفن وأكثرها استخداما، ويتم من قبل معالج ‏موسيقي مختص، يقدم الدعم اللازم للفرد الذي يتلقى العلاج، ومن هنا تخرج الموسيقى من ‏استخدامها كوسيلة للمتعة وتحويلها كوسيلة للعلاج باستخدام العلم والخبرة.‏
 
يختلف تأثير الموسيقى باختلاف كيفية توظيفها واستخدامها، وتؤثر على الأفراد باختلاف فئاتهم ‏العمرية، وباختلاف جنسهم من ذكور وإناث، وباختلاف قدرتهم على الإدراك الموسيقي.‏

ويعود تأثير الموسيقى كما تقول الدكتورة رحاب كمال استشارية المناهج الموسيقية والتأهيل ‏والعلاج بالموسيقى إلى أن "الموسيقى هي أقرب وسيلة للقلب والروح، فكل ما حولنا هو ‏ضرب من الموسيقى، المشي موسيقى، والحركة نوع من الموسيقى، والكون كله يعيش في حالة ‏من التوافق الموسيقي، لذلك يكون للموسيقى أثرها القوي في الأفراد، وتكون نتيجتها أسرع على ‏الأطفال، لأنه حين يولد الطفل يتعامل مع الكون كله على أنه صوت، فيستمع إلى صوت ‏والدته، وهمهمات من حوله، ويستمع إلى الأغاني التقليدية التي تلقى عليه في المهد، والموسيقى ‏بالذات لا تعمل على حاسة السمع فقط، بل تعمل على عدة حواس في الوقت ذاته".‏
 
وتابعت د. رحاب، بالقول إن "الموسيقى تعود بالنفع على الإنسان بجوانب ‏مختلفة، فيدخل تأثيرها في الجوانب السلوكية، والجوانب الاجتماعية، والجوانب الجسدية ‏والنفسية، ولها أثرها في كل جانب من هذه الجوانب بطريقة مختلفة، واعتمادا على حالة ‏الفرد.".

وأضافت: "تعد الموسيقى وسيلة علاجية آمنة للغاية، ولها قوة وأثر على هذه الجوانب، فهي ‏تعتبر تدخلاً غير طبي، كما أنها تلبي احتياجات الفرد وتقدم له الدعم الذي يحتاجه، وتقوم ‏جلسات العلاج بالموسيقى على نقله من حالة عدم الارتياح إلى جانب يرى نفسه فيه آمنا، وتؤثر ‏عليه إيجابيا بحيث تساعده وتمكّنه من القيام بأنشطته اليومية المختلفة.".

وبين أخصائي الطب النفسي علاء الفروخ في حواره ، أن "العلاج الموسيقي ‏يناسب كل الأعمار، ويقوم المعالج بمراعاة قدرات كل فئة عمرية"‏.

الموسيقى كما لم نعرفها من قبل

اعتدنا على أن نأخذ الصورة الخارجية لتأثير الموسيقى في أرواحنا، فلم نكد نعرف عنها سوى ‏أن الاستماع إليها يريح الأعصاب، وأنها قادرة على إحداث الاسترخاء، ونقل الإنسان من حالة ‏الحزن إلى الفرح، أو مضاعفة حزنه بإيقاعها الحزين، وقد تتوسع رؤيتنا أحيانا لنرى مدى ‏تأثيرها في سلوك الحيوانات. ‏

ولكن لا تعد هذه إلا جزئية صغيرة من جوانب العلاج الموسيقي، حيث تقول د. رحاب، إن ‏‏"للموسيقى تأثيرا أوسع مما يعتقد الكثيرون، فهي تعمل على تعديل الجوانب السلوكية، حيث ‏تعدل سلوكيات الأطفال العدوانية كالصراخ المستمر، والعنف والعدوان ضد الأقران، وتعمل ‏على الجوانب الجسدية كذلك، فتساعد الأفراد الذين يعانون من قصور أو ضعف في التوافق ‏العضلي العصبي، كما أنها تساهم في مساعدة من يعانون من أمراض عقلية كالزهايمر، أو الخرف ‏وغيرها من الأمراض".‏

وللموسيقى تأثيرها على الجوانب النفسية بحسب رأي الفروخ الذي يبيّن أن "الموسيقى العلاجية ‏تساعد في عدة نواحٍ، منها تخفيف القلق والتوتر، وتحسين مهارات التواصل الاجتماعي، ‏وتحسين قدرة الفرد على التركيز" .‏

لماذا يبدو أبناء جيل الألفية أصغر سنًا مما هم عليه؟

وبخصوص الوقت المناسب للتدخل الموسيقي، فقد بيّنت  "شأن ‏الموسيقى كشأن أي علاج آخر، أي كلما تدخلنا في وقت مبكر كانت النتائج أفضل، وتحقيق أي ‏هدف لدى أي مريض يحتاج إلى وقت ويختلف هذا الوقت تبعًا للحالة، ولكننا نستطيع تحقيق ‏الأهداف المنشودة أسرع إذا قمنا بالتدخل اللازم في المراحل الأولى". ‏

مجالات العلاج بالموسيقى ‏

مجال العلاج الموسيقي واسع للغاية، ‏فهو يشمل التأهيل البدني، ‏والعلاج السلوكي، وتوفير الدعم ‏العاطفي للمرضى وذويهم، ‏وغيرها من المجالات الهامة للمريض، فالموسيقى لها تأثيراتها ‏المختلفة على أجزاء الجسد، ‏بالإضافة إلى تأثيرها في ضغط الدم، وسرعة النبض، والتقليل من ‏التوتر الجسدي، وزيادة الطاقة العضلية. فمثلاً نجد تفاعل الأعضاء الحسية واضحاً مع أي ‏مصدر موسيقي يُسمع، كالحركات العشوائية تفاعلاً معها، والتصفيق، والضرب بالأرجل تناغمًا ‏مع إيقاعها وغيرها من ردود الفعل السلوكية الواضحة على الموسيقى، باختلاف إيقاعها وآلاتها ‏وسرعتها كذلك.‏

وتُظهر د. رحاب جانبًا من ذلك فتقول: "عملت شخصيًا على حالات كاضطراب طيف التوحد، ‏وحالات تشتت الانتباه وفرط الحركة "‏ADHD‏"، وإعاقات حركية وعقلية، وصعوبات التعلم، ‏وصعوبات النطق، وكان ‏لجلسات العلاج بالموسيقى دورها الكبير في التخلص والحد من ‏جوانب القصور التي تعاني منها تلك الحالات، وشهدنا نتائج أكثر من رائعة". ‏

وردًا على سؤال، عن كيفية وضع الخطط العلاجية، وآلية التدخل الموسيقي، ‏أجابت: "لكي نتمكن من التدخل بالموسيقى في علاج أي حالة، علينا أن نكتشف القصور المراد ‏علاجه، ثم نقوم بعمل استراتيجية علاجية لتحقيق الأهداف المراد الوصول إليها، سواء كان ‏على المدى القريب أو البعيد، فإن كان لدى الفرد عجز في التواصل الاجتماعي مثلاً، فإننا نعمل على ‏استخدام الموسيقى لتمكّنه من التواصل مع المحيطين به بشكل لفظي أو غير لفظي". ‏

وأضافت: "إن كان يعاني المريض من صعوبات في التعلم، فاستخدام الموسيقى الكلاسيكية في ‏عصور مختلفة كموسيقى العصور الكلاسيكية والرومانتيكية وعصور النهضة، تساعد في ‏تعزيز التركيز لديه والتعلم بشكل أفضل". ‏

أما عن مساهمة الموسيقى في التخفيف من آلام المريض، فبعد أن يرسل الدماغ إشارات على ‏أنه يتألم بفعل مؤثر داخلي أو خارجي، فللموسيقى دورها في تخفيف الشعور بهذا الألم مهما ‏اختلف نوعه، وكيفية التدخل الموسيقي يختلف من مريض إلى آخر، فتقول د. رحاب: "يختلف ‏التدخل الموسيقي حسب الحالة، فقد يحتاج البعض إلى ‏ ‏أنشطة موسيقية حتى تحفزهم على ‏التفاعل مع العالم الخارجي، ‏أما البعض الآخر فيحتاج إلى أنشطة مختلفة تساعد في التعبير عن ‏النفس وعن الآلام والأفكار، فالتعبير جزء مهم من مرحلة علاج أي ألم كان، كما أن الموسيقى ‏تساعد على إفراز هرمونات السعادة كالإندروفين الذي يشجع على الرغبة في التواصل والحياة ‏والتعامل مع من حوله".‏

وتضيف: "لا تعطي الموسيقى مسكنا لحظيا فقط، فالعلاج بالموسيقى يعمل على مساعدة ‏المريض على تخطي ما يمر به بشكل كامل، من خلال التركيز على عرض معين ومعالجته".‏

فالفن الموسيقي لا يقف عند حده كأداة ترفيهية سمعية، بل إنه يتوسع إلى أكثر من ذلك بكثير، وهنا ‏نتساءل: كَون الموسيقى تؤثر بالإنسان إلى هذا الحدّ، هل نحسن اختيار نوع الموسيقى الذي ‏نستمع إليه في حياتنا اليومية؟