مقتطفات من تقديم رواية "طور البنت"
جفرا نيوز- بقلم الأستاذ الدكتور سلطان عبدالله المعاني
"طور البنت" هي رواية مذهلة تأخذنا في رحلة عبر الزمن إلى أيّام العرب قبل الإسلام من خلال قصّة تراثيّة متداولة اليوم؛ فالرواية تداخُلٌ تراثيّ بوصفها وعاءً أساسيًّا حاضنًا للبعد التاريخيّ والحضاريّ الأردني. تدور الأحداث في منطقة البيضاء قرب البتراء في جنوب الأردن، متناولةً أساطير وقصص الشّعوب القديمة مثل عاد وثمود والأنباط. وتعكس الرواية صورةً حركيّةً لحياة البدو الرحل وتقاليدهم وعاداتهم والحضارات التي أقاموها في الصحراء والبوادي.
تقص الرواية حياة الشخصية الرّئيسة التي تعيش في بيئة صحراوية. ومن خلال تجربتها وتفاعلها تقدّم الرواية أبعادًا نفسيّة وفلسفيّة تتجاوز الواقع المادّيّ، وتحثّ القارئ على التساؤل عن الأسئلة الكبرى مثل الزمان والمكان والوجود، كما تركّز على تحوّل علاقة تلك الشخصية بالمكان والتّجارب التي تمرّ بها في هذا العالم الصحراويّ الواسع والغامض.
توفّر رواية "طور البنت" تجرِبَةً روائيّة غنية، تجمع بين الخيال والتّاريخ والتراث، وتقدّم دعوة لاستكشاف العالم الغنيّ والمعقّد للبادية الأردنيّة وأصول الثّقافة البدويّة. من خلالها، يحفّز الكاتب فراس عوض البقاعين القارئَ للنّظر إلى الماضي لفهم الحاضر، وللتّفكير في القيم والمعتقدات التي تشكّل هُويّتنا، فالرواية تأخذ القارئ في رحلة مشوّقة من خلال أحداثها المتشابكة وشخصيّاتها المعقدة، وتستخدم الألغاز والرّموز لاستكشاف مواضيع الأخلاق والجشع والعدل، وتستمرّ في تقديم لغة معبّرة تُناسِب الأجواءَ الخيالية، كما يكشف لنا الراوي مفاهيم الحياة والموت والسعادة، مما يعكس العمق الفلسفيّ للرواية، والنّضج العاطفيّ، وصراعه الداخليّ حول هذه المفاهيم بما يمكن أن يشكِّل نقطة تحوّلٍ في الرواية.
فعلى سبيل المثال يقدّم صاحب العمل فراس بقاعين لوحة حيّة من السّوق في العصور القديمة، وبلغة غنيّة وتفصيليّة يكاد القارئ يشمُّ رائحةَ البخور والتوابل ويسمع أصوات الباعة وضاربي الدفوف. وتظهر شخصيّة الراوي، الذي يعامل النّساء بوصفهِنّ أملاكًا يمكن شراؤها وبيعها، ما يعكس نظرة الذكوريّة السّائدة في تلك الحقبة الزمنيّة، بحيت يُبرِز الكاتب المعاناة الشّديدة التي تعيشها تلك النساء، ويقدّم واقعًا قاسيًا لتجارة الرقّ في تلك الحقبة.
وفي المنحى التأثيثيّ لنموّ الرواية تُنووِلَتْ قضايا السّلطة والطّغيان، والحرّيّة والعبوديّة، والشّهوة والرّغبة. علاوة على أنّ الأحداث بُنيَت بطريقة تزيد من التشويق والإثارة، مع تقديم الشخصيات في طابع درامي يَشُدّ القارئ. وفي المجمل الرواية ثريّة وعميقة في تناول قضايا مثل الحبّ والخوف والرّغبة في الانتماء، بالإضافة إلى الأحلام والتّطلّعات الشّخصيّة. حيث أنّ الرواية تواجه القارئ بأسئلة عميقة حول طبيعة الحبّ والخوف والتطلّعات الإنسانيّة، وكيف يمكن أن يكون الحبّ جميلًا، لكنّه في الوقت ذاته يكشف عن الأنانيّة، فالرواية كاشف حقيقي للصراعات الداخليّة للشخصيات، وتدعو القارئ للتفكير في قضايا إنسانية مهِمّة.
النّصّ هو مثال موفَّق على الإبداع الأدبيّ في استخدام اللغة العربيّة؛ إذ يقدّم الكاتب وصفًا غنيًّا ومفصَّلاً للشّخصيّات والمشاهد، وينقل القارئ إلى العالم الذي يصوِّرُه بنجاح. ويُضفي التّصويرُ الحسّيّ والبيانيّ جوًّا من الواقعيّة والتّشويق على الرّواية، ويشجِّعُ القارئ على استكشاف الأحداث والشّخصيّات بشكل أعمق. إضافة لذلك، يستخدم النّصّ الحوارات الداخليّة لتوفير فَهْمٍ أعمق للشّخصيّة الرئيسة، كما يستخدم الاستعارات والرّمزيّة ببراعة لتوصيل الرّسائل والأفكار المعقَّدة. من خلال هذه الأدوات، تُحَوَّل القصّة إلى تجربة غنية ومجزية للقارئ.