صحفيو غزة يعيشون بين الظلام والمستشفيات

جفرا نيوز - استهدافات ممنهجة، ومعدّ لها مسبقا ضمن حرب الاحتلال على غزة، وبتنا يوميا نسمع عن استشهاد زميل أو زميلة أو استهداف عائلات أحدهم أو إحداهن، جزء حقيقي من معركة الاحتلال الإسرائيلي على الصحفيين عين الحقيقة على جرائم الحرب التي تتعرض لها غزة يوميا منذ السابع من تشرين الأول الحالي.

عدد الصحفيين الذين ارتقوا شهداء منذ السابع من تشرين الأول الحالي، بدء المعركة على قطاع غزة، يزداد يوميا، بل ربما أبدأ هذه الأسطر بعدد أنهيها بعدد آخر في زيادة بطبيعة الحال، ما يجعل من الصحفيين في غزة مشاريع شهداء، وللضغط عليهم نفسيا باتوا يستهدفون عائلاتهم، وأطفالهم ونساءهم، سعيا من الاحتلال لإغماض عين الحقيقة والشاهد على جرائمهم، وإبقاء روايتهم الكاذبة من ألفها إلى يائها سائدة ومنتشرة للعالم.

واقع العمل الصحفي في قطاع غزة، بات اليوم مدرسة إعلامية وصحفية حقيقية نبدأ معها من نمارس المهنة منذ عشرات السنين، نبدأ رؤى جديدة مختلفة، بمضامين لا يمكن وصفها إلاّ أن ما يحدث يدرّس بأعرق الجامعات، صحفيون لم يشاهدوا عائلاتهم منذ السابع من الشهر الحالي، يعيش أغلبهم في حدائق المستشفيات وفي خيم بنيت لهم في أماكن محددة بغزة، يحملون أرواحهم على أيديهم غير آبهين بشيء سوى بنقل الحقيقة، فكانوا عين العالم في غزة، والشاهد على ما يحدث رغم محاولات الاحتلال إعاقة هذه المهمة بكل ما أوتي من وسائل حرب ممنوعة دوليا!!!.

ولقراءة واقع الصحفيين في قطاع غزة والضفة الغربية، في ظل ارتفاع عدد الشهداء منهم واغتيال أفراد من عائلات بعضهم، كما حدث مع مدير مكتب قناة الجزيرة في غزة الزميل وائل الدحدوح، واستشهاد قرابة (30) صحفيا «حتى الآن»، وظروف عمل قرابة (1300) زميلة وزميل يعملون في غزة، التقينا عبر الهاتف بنقيب الصحفيين الفلسطينيين ناصر أبو بكر.

في اتصالي الأول معه اعتذر عن الحديث لأكثر من دقائق، لوجوده في العاصمة المصرية، حاملا ملف وهمّ زملائه في غزة والضفة الغربية، فكان حواره الخاص بعد عودته للأراضي الفلسطينية، وقد امتلأ صوته بالكثير من التعب لما تعيشه «البلاد» والحرب على غزة التي ملأت ملفات النقابة بانتهاكات وجرائم وتجاوزات عمليا لا عدد لها، ولا وصف لجرائمها.

ناصر أبو بكر الذي رأى بأن الأردن وفلسطين تربطهما علاقة يصعب وصفها، ولا مفردة في اللغة العربية تصف عمقها وطبيعتها، كشف عن خطة إسرائيلية أعدّت الأسبوع الماضي تضمنت استهداف منازل الصحفيين، إن لم يكونوا بها يتم استهداف عائلاتهم، مؤكدا أن ما تشهده غزة الآن حرب إبادة.

وقدّر أبو بكر عاليا الجهود الأردنية بقيادة جلالة الملك التي تبذل من أجل القضية الفلسطينية، ولوقف الحرب المدمّرة على غزة، معتبرا كلمة جلالة الملك أمام الأمم المتحدة ومقابلة جلالة الملكة رانيا العبد الله على قناة سي إن إن، من أهم ما بُذل لصالح القضية، وأكثرها قوة.

ظروف عمل الصحفيين في قطاع غزة خلال هذه الفترة العصيبة، عدد الشهداء من الزميلات والزملاء، دور نقابة الصحفيين الأردنيين الهام جدا مع نظيرتها الفلسطينية، دور الاتحاد العالمي للصحفيين في هذه الحرب وتفاصيل كثيرة هامة في الحوار الخاص لجريدة «الدستور» مع نقيب الصحفيين ناصر أبو بكر التالي نصه:

 للملك مواقف هامة


 بداية، كيف تقيمون الموقف الأردني من الحرب على غزة؟.

- أبو بكر: الموقف الأردني هام جدا، وقد عبّر جلالة الملك عبد الله الثاني في أكثر من لقاء وعبر المحافل العالمية والأمم المتحدة عن موقف الأردن من الحرب على غزة، في حين سعى جاهدا لوقفها، وحماية أهل القطاع، إضافة بطبيعة الحال للمساعدات الأردنية التي وصلت القطاع.

 مقابلة الملكة على مستوى عال جدا

كيف تقرأون مقابلة جلالة الملكة رانيا العبد الله لمحطة سي إن إن الأمريكية، قبل أيام، وما تناولته من تفاصيل حول الحرب على غزة؟.

- أبو بكر: لا شك أنها مقابلة كانت على مستوى عال جدا ووقوف جلالتها مع الحق الفلسطيني بكل وضوح وقوّة، وتأكيد جلالتها على أننا لا نريد إلا الحقيقة، وتفنيد جلالتها للأكاذيب التي أطلقها الاحتلال مع بدء حربه على غزة.

مقابلة هامة جدا وقوية، وانتصار للحق الفلسطيني، وللحقيقة الفلسطينية.

 الصحفيون مستهدفون

 كيف تصفون واقع الحال اليوم في غزة، وهل وصفه بالكارثي دقيق؟.
- أبو بكر: نعم صحيح، الوضع الآن في غزة كارثي، هي جرائم حرب يواجهها سكان القطاع، لا تراعي ولا تميز المرأة والطفل والشيخ، للأسف مدمرة بحرفية المعنى.

 وماذا عن الصحفيين، كم يقدر عدد الشهداء منهم رحمهم الله، وهل عمليا هم مستهدفون؟.

- أبو بكر: اليوم نحن نتحدث عن قرابة (25) صحفيا استشهدوا منذ بدء الحرب على غزة، وعمليا منذ قرابة الخمسة أيام الصحفيون ومنازلهم مستهدفة، ضمن خطة للاحتلال، هي معاناة شعب وحرب إبادة، والصحفيون يقومون بتغطية الأحداث يوميا ساعة بساعة، وبالتالي هم مستهدفون وإذا لم يتمكنوا من قتلهم سيقتلون أسرهم، وكثير من الصحفيين لم يتمكنوا من الوصول لهم استهدفت منازلهم يعاقبونهم بعائلاتهم.

 نعم منزل الدحدوح كان مستهدفا

 هل يمكن القول أن استهداف منزل الزميل وائل الدحدوح واستشهاد عدد من أفراد أسرته كان مستهدفا؟.
- أبو بكر: نعم كان مستهدفا، وخرج بعد استهداف منزله أحد المسؤولين من الاحتلال على إحدى محطات التلفزة وأكد أن جيش الاحتلال استهدف منزل وائل، لا يوجد أحد بريء من جانب المحتل، ونتعرض لعملية تحريض من الاعلام الإسرائيلي، وهذا جزء من المعركة التي يخوضها الغزيون والفلسطينيون.

 وائل الدحدوح الشاهد الأبرز على جرائم الاحتلال

وائل الدحدوح الشاهد الأبرز على الاجرام والمجازر في قطاع غزة من قتل وترويع وجرائم حرب، فلم يتمكنوا من اغتياله، أقدموا على قتل الروح المعنوية له، باستهداف أفراد أسرته، الاحتلال يسعى لقتل شهود الحقيقة وعائلاتهم، ووائل الشاهد الأبرز على كل هذه المجازر وحرب الإبادة.

وفي هذا الإطار يجب أن أؤكد أننا كنقابة صحفيين حذرنا من استهداف عائلات الصحفيين، وارتكاب مجازر في الصحفيين الذين لم يسلموا حتى داخل المستشفيات.

 هي معركة ممنهجة على الصحفيين

 هل هذه المعركة ضد الصحفيين جديدة على الصحفي الفلسطيني والغزي، أم تاريخية؟.

- أبو بكر: بالطبع هي معركة تاريخية، نحن نخوض معركة دولية نخوض معركة حرب ممنهجة، منذ عام 2000 ارتُكبت مجزرة حقيقية بحق الإعلام الفلسطيني أدت إلى استشهاد أكثر من 50 صحفيًا، أي بمعدل 3 شهداء كل عام.

وفي رصد نقابة الصحفيين منذ عام 2012 الذي ترصد به كافة الجرائم التي تقترفها إسرائيل ضد الصحفيين، رصدنا 9 آلاف اعتداء وجريمة خلال (11) سنة على الصحفيين، بمعدل جريمتين يوميا، وهذا كله يؤكد ما نقوله إن هناك حربا ممنهجة على الصحفيين.

واليوم الحرب على غزة مستمرة، حتى يبقى الاحتلال متحكما مستفردا بالرواية الإعلامية، التي لا يريد بها للحقيقة الفلسطينية أن تصل للعالم، وهم أصحاب مدرسة الكذب في العالم ويخوضون هذه المعركة بشكل ممنهج.

وجميعنا نذكر عندما بدأت الحرب على غزة علما بأنها وفي سابقة جاءت بقرار من رئيس الحكومة وهذا لم يحدث منذ حرب 1973، ذلك أن الحكومة هي من تعلن الحرب، كلنا نذكر في بداية الحرب الكذب الذي رافقها عندما رفعوا صور أطفال تعرضوا للتعذيب والقتل وقطع الرؤوس وهو كذب.

 19 ألف تغريدة تحريضية

** الدستور: ما هو دوركم كنقابة صحفيين في مواجهة هذه المعركة وهذه المجازر التي يتعرض لها الصحفيون كما أهالي غزة ؟.

- أبو بكر: نحن منذ اللحظة الأولى لهذه الحرب لم نتوقف في النقابة، حيث شكلت خلية ازمة نتابع ما يحدث ليل نهار نرصد جرائم الاحتلال ونصدر بيانات نوثقها وننشرها للعالم والمؤسسات الدولية وللأمم المتحدة ومنظمات حقوق الانسان والنقابات.
نبذل جهدا كبيرا، ونرصد رسائل الكذب والتحريض، وفي هذا الشأن رصدنا خلال الأسبوعين الماضيين (19) ألف تغريدة تحريضية، كل يوم ألف تغريدة تحريض، ولنا جميعا أن نتخيل قدرة التأثير في مثل هذه التغريدات، وهم يركزون بشكل كبير على هذه المنصة.

 جرائم الصحفيين بالأرقام

 هل يمكننا أن نعرف من خلالكم واقع المشهد الصحفي في غزة لجهة عدد الشهداء والمؤسسات الإعلامية التي دمرت وغيرها من الجرائم على الصحفيين؟.

- أبو بكر: إلى جانب ما يواجهه الصحفيون من استشهاد العشرات منهم، ونحن نتحدث اليوم عن 25 شهيدا هو رقم سيزداد حتما خلال ساعات، هناك استهداف للمؤسسات الإعلامية، وبيوت الصحفيين وتحريض لقتل الصحفيين واتصالات تهديد بالقتل للصحفيين في الضفة الغربية وغزة، وكل الصحفيين يقفون موقفا مشرفا مع الحقيقة والعدالة.

ونحن خلال هذه الفترة نتحدث عن استشهاد صحفي كل يوم، بهذا المعدّل، فكما أكدت هي حرب ممنهجة، وتم تدمير (50) مؤسسة بالكامل، و(22) إذاعة محلية تعتبر هي صلة الوصل بين المواطنين في غزة أصبحت الآن مغلقة بالكامل بسبب استهدافها، وجزء من العاملين بها استشهدوا وآخرون رحلوا عن أماكن سكناهم، كما تم الاعتداء على (60) صحفيا من مستوطنين وتهديد اعتقالات، وتم اعتقال (12) صحفيا، منهم (2) مصيرهما مجهول.

 كيف يعيش صحفيو غزة؟

 وسط كل هذا الاستهداف، وهذه المجازر والجرائم ضد الصحفيين، كيف يعمل الصحفيون في غزة، أين ينامون كيف يرون عائلاتهم، هذا الجانب الإنساني، هل تضعنا بصورته؟.

- أبو بكر: الجانب الإنساني للصحفيين الفلسطينيين في غزة اغلبهم يعمل من داخل المستشفيات لجأوا لحماية أنفسهم، ينامون منذ بدأت الحرب في خيم وتحت الشجر ويعملون في هذه الساحات التي لا يوجد بها ماء ولا كهرباء والانترنت صعب والاتصالات صعبة وغير واضحة.

وكثير منهم لم يروا أسرهم منذ بدء الحرب، وآخرون رأوا أسرهم لمرات قليلة جدا، وبالطبع بعضهم فقد أفرادا من أسرته أو أسرهم كاملة، وعلي هنا الإشارة إلى أنهم لا يأكلون ولا يشربون كثيرا، بكميات بسيطة إن توفرت.

ما أريد قوله هنا إن الصحفي الفلسطيني وفي غزة يناضل من أجل حريته وحرية الوطن، ويكشف حقيقة الاحتلال الذي يشن حربا ضد الإنسانية في فلسطين، فدولة الاحتلال اغتالت 2300 طفل و1600 امرأة، فهذه حرب ضد الإنسانية وتشرّع القتل دون إنسانية، وهو ما يكشفه الصحفيون.

وحقيقة تجربة الصحفيين في فلسطين تدرّس، فهم يقدمون شهادات حيّة وحقيقية تكشف جرائم الاحتلال وسط ظروف أكثر من قاسية ولا إنسانية، ومرهقة ليس فقط جسديا إنما نفسي.

ويتضح ذلك بما حدث مع وائل الدحدوح الشاهد الأبرز على الجرائم والمجازر في قطاع غزة، فلم يتمكنوا منه، فقتلوا الروح المعنوية، وهكذا هم يقتلون شهود الحقيقة وعائلاتهم أو عائلاتهم.

في هذا السياق، ما هو دور الاتحاد الدولي للصحفيين؟.

- أبو بكر: له دور كبير مهم ويقف بجوار الصحفي الفلسطيني، وقد أصدر عدة بيانات وارشادات بالفيديوهات والصور لحماية الصحفيين، وأرسل للصحفيين في غزة ألف حقيبة اسعاف وساعدنا بإرسال 500 جهاز «بور بانك» وزعت على الصحفيين، لبقاء هواتفهم تعمل، ونحن نضعهم بصورة واقع الحال، وسنعمل قريبا على وضع اليونسكو بصورة ما يتعرض له الصحفيون.
 من خلال «الدستور» نحذر من جرائم جماعية

 كم يبلغ عدد الصحفيين في غزة؟.

- أبو بكر: 1300 صحفي في غزة، وأغلب وقتهم يقضونه في المستشفيات، الاحتلال لا يريد صحفيين يكشفون كذبه وجرائمه، ويخطط لمزيد من المجازر والجرائم ضد الصحفيين.

ما هو أكثر ما يقلقكم من جرائم إسرائيلية تطال الصحفيين.

- أبو بكر: من خلال جريدة الدستور الغرّاء، نحن نحذر من جرائم جماعية ومجازر جماعية للصحفيين الفلسطينيين، وأن يتم معاقبتهم عقابات جماعية، وهذا أكثر ما يخيفني خلال المرحلة الحالية، ونوجه من خلال صحيفة الدستور تحذيرا من مثل هذه الجرائم.

هل هناك تنسيق مع نقابة الصحفيين الأردنيين وما طبيعته؟.

- أبو بكر: الزملاء في نقابة الصحفيين الأردنيين يقومون بدور مهم جدا، وبيننا علاقات تضامنية وتكاملية نحن نتواصل منذ اللحظة الأولى مع الزملاء في الأردن، ولم ينقطع التواصل حتى الآن.

ومنذ بدء الحرب وضعت نقابة الصحفيين الأردنيين كل امكانياتها تحت تصرفنا، إضافة للكثير من الخطوات التنسيقية التي تمت وتتم، ونحن نشكرهم على هذه الخطوات الوطنية التي تعزز من العلاقات الأخوية بيننا.

دعيني أقول من خلال جريدة «الدستور» أننا في فلسطين والأردن شعب واحد وبيننا روابط مشتركة لا يوجد لها مثيل بالعالم، ولا يوجد كلمات تحكي حقيقة هذه العلاقة، ولا يسعنا إلاّ أن نشكر وقوفكم معنا.

الدستور - نيفين عبد الهادي