سيد المواسم

جفرا نيوز - بقلم رمزي الغزوي

الدراسات الأركولوجية (الآثارية) تؤكد أن قرية (هضيب الريح) في منطقة رم، هي أقدم منطقة في العالم زرعت الزيتون، قبل أكثر من سبعة آلاف سنة، فلا عجب إذن، أن نقرن تجذرنا بأرضنا من خلال أمنا الشجرة. فليس هناك أمتن ولا أصلب، ولا أقوى من قرمية زيتون ترينا كيف يكون التجذر والثبات والأصالة.

أي أن الزيت دم الأردنيين الثاني، العابق بحب الأرض من اللثغة الأولى، والحرف الأول. وأمهم الزيتونة، بجل معانيها الضاربة في الأعماق، وإن كانت جدتهم الوردة بكل شذاها، وبكل رحيب عطرها الفوّاح.

في كل موسم خريف نخوض غمار هذا الحب دون كلل أو ملل. نحب تشرين بفرعيه الأول والثاني. فتشرين هو الفتى المحمم بليفة المطر البكر. المعطر بلثغة السفرجل الفوّاح، والموشى بعباءة شمس خفيفة؛ ترفل فوق أكتاف الوديان الآيلة للخريف. تشرين سيد شهور الأرض، إذ الزيت عمارة بيوتنا، ومسامير ركبنا، ونسغ قناديلنا الساهرة بخشوع لحكايا أجدادنا الطيبين. تشرين عريسنا التياه. له نكهة أخرى كتلك المخبئة بأثواب جداتنا المتعبات في غمرة المواسم.

قصيراً يصير النهار: النهار ليس إلا خطوتين اثنتين، على رأي آبائنا العجولين. والمدرسة القبيحة كانت تبلع أكثر من خطوة. فماذا سيبقى من جحش النهار؟ كي نسابق قرص الشمس المخاتل بين فروج الغيم. نريد أن نلحق أهل في الكروم يا شمس تمهلي، كي نعينهم ونمرح كزرازير الفجر، عندها كنا نسرع أكثر، ونقذف كتبنا الثقيلة من شقِّ الشباك، ونركضُ كغزلان ترد الماء، نخشى ألاّ نلحق ظلنا الممطوط قليلاً فوق الأرض.. ياااااه، كيف يلهث بنا هذا النهار الصغير كحمار هزيل: ألا تمهل أيها النهار.

سلامٌ على الزيتون، ما حنَّ تشرينُ لقبلة مطر أخرى، وما غنَّى بلبلٌ على شجر الحور المياس بأصابع الريح، سلام عليك يا أرضنا المخضّبة بالعناء والحناء، يا المزنّرة بالتعب العذب، سلامٌ علينا إذ نجترُّ بقايا أغانينا المحترقة باللهفة والأشواق. سلامٌ على جنون أنفاسنا الحرى، إذ تبقينا صغاراً برسم الكهولة، ندرجُ على عتبات الطفولة، فلا نكبر أو نشيخ.