نحمي الأردن لندعم فلسطين.. وخيارات الدولة لم تنفد

جفرا نيوز - بقلم مصطفى الريالات
 
سيناريوهات الحرب على غزة تبدو مفتوحة حتى اللحظة، بما يُؤشر على أن الحرب عليها تذهب في أهدافها بعيدًا، عما يتم تسريبه من أهداف، ذلك أن الإجرام الصهيوني في غزة لا يتوقف عند حدود القطاع، بل يتعدَّاه للضفة الغربية، وإزاء ذلك فلا بد من تعزيز الجبهة الوطنية، وصدِّ أي محاولات لزرع الفتن، وإزاحة الأنظار عما يحدث في غزة وفلسطين، بإحداث فوضى داخلية ومشاكل على الحدود.

الدبلوماسية الأردنية بقيادة الملك، تقود جهودًا كبيرةً لوقف الحرب على قطاع غزة، ولا بد من التعاون والتعبير بشكل مُنضبط عن المشاعر، وهي مشاعر يشترك بها الشعب والقيادة والحكومة وجميع مكونات المجتمع، ضد العدوان الغاشم على غزة.

الملك لا يألو جهدًا في سبيل الدفاع عن القضية الفلسطينية في كل المحافل الدولية، ودعم الأشقاء الفلسطينيين، كما لا يدّخر الملك جهدًا لمعالجة الرواية المشوّهة، التي تحاول إسرائيل تصديرها للغرب والإعلام الغربي، ولعل حديث الملك في قمة القاهرة للسلام، وخطابه الذي ألقاه باللغة الإنجليزية، كان مقصودًا في هذا الاتجاه.

خيارات الدولة لم تنفد تجاه القضية الفلسطينية، وهناك ثمن دُفع، وسيبقى يُدفع، ثمنًا لمواقف الدولة النزيهة والشريفة تجاه فلسطين، وهو ما يتطلّب منا التركيز وعدم تشتيت الجهود الرسمية، بأي دعوات قد تترك آثارًا سلبيةً تخدش صورة الأردن، وموقفه المُشرّف تجاه القضية الفلسطينية.

وحقُّ الناس في التعبير عن رأيها، وإبداء موقفها إزاء ما يحدث من عدوان على غزة، تكفله الدولة، ولكن حق التظاهر يجب أن يكون سلميًّا، وفي إطار ما تسمح به التشريعات النافذة، من دون المساس بالسِّلم المجتمعي.

لا بد من أن يُبصر الجميع نتائج التحرك الأردني الذي لا تُخطِئه عين مُنصفة، والهادف إلى وقف الحرب على الأهل في فلسطين، وإبعاد المنطقة عن الانفلات الأمني، وحماية المصالح الوطنية العُليا للمملكة، كما لا بد من التحام الموقف رسميًّا وشعبيًّا، بدلاً من خلق أي تصدعات نتيجة دعوات ستُشغل رجال الأمن، وتجلب متاعب نحن في غنًى عنها، ويجب تمتين الجبهة الداخلية، ومنع حصول أي اختراقات قد تضر باللُّحمة الوطنية، فالأردن القوي هو السَّند والظهير القوي لفلسطين وأهلها.

فثمة قوًى سياسية تستغل تعاطف الشارع فيما يجري في غزة، وتُخاطر بحياة المواطنين تحت وطأة دعوات تسعى إلى شحن المشاعر العاطفية، دون النظر إلى تبعاتها، بغرض التسلل نحو تحقيق مكاسب سياسية ذاتية، توفر لها الأرضية المناسبة للدخول إلى البرلمان، عبر بوابة الانتخابات المقبلة، فالمهم بالنسبة لتلك القوى استغلال مشاعر وتعاطف الناس.

الأدلة على هذا القول كثيرة والبراهين عديدة، ولا تنحصرُ بمحاولات الاحتكاك مع رجال الأمن، بغرض التشويش على عملهم، بدلاً من الالتزام بالتعليمات التي تصدر منهم، التي تَهدفُ إلى حماية الوطن من المخاطر المُحدقة به محليًّا وخارجيًّا، ولأي دعوات للمطالبة بالتظاهر على الشريط الحدودي، دون النظر للتبعات على أمن المواطن والوطن، فمن شأن ذلك أن يؤدي إلى إثارة الفوضى، ونتائج تُخالف الغايات العَلنية التي تنادي بها تلك القوى، فالمهم استغلال الشباب المُشارك في الفعاليات، والذين تتراوح أعمارهم بين 20-30 عامًا، كمخزون أصوات انتخابية، سيما وأن هؤلاء الشباب لا ميول حزبية لديهم حتى الآن.

في هذه الظروف، يجب ألا يُسمح بتشتت الجهود العسكرية والأمنية، بُغية تحقيق مكاسب شعبوية على حساب أمن الوطن، أو المزاودة على الموقف الرسمي، الذي لا يستفيد منه إلا من يريد إثارة الفتنة، وإحداث بلبلة بالشارع الأردني، والحراك السياسي في الشارع، والمواقف الشعبية التي يجب أن تكون داعمةً للحراك الرسمي، لا مُقلِّلة أو مُعطِّلة له.

الأجهزة الأمنية تُمارس عملها بضبط نفسٍ؛ لمنع وقوع أي احتكاك، رغم بعض التصرفات والضغوط الكبيرة عليهم، والتي جزء منها مشاعرهم الجياشة لما يحدث في غزة، وهنالك مناطق حساسة يجب عدم التجمهر فيها، وأولها الحدود، وفي داخل العاصمة: مثل الدوار الرابع، ودوار الداخلية، وإشارة النسر، وساحة النخيل، والتي هي مواقع تؤثر على الحركة العامة وسيرورة الحياة العامة، كما أن هنالك حساسيةً من الاقتراب من السفارات، ومحاولات الاعتداء عليها أو اقتحام أي منها، فاقتحام أي سفارة أجنبية، سيدفع ببعض البعثات الدبلوماسية إلى المغادرة؛ خشية وقوع فوضى أمنية، ما سيضرُّ بمصالح المواطنين والدولة، وسينعكس سلبًا على صورة الأردن وسُمعته.

فالأهمية في الاعتصام ليست بالمكان، بل في إيصال الرسالة؛ لإنهاء المأساة الإنسانية في غزة، ويجب انصهار الجميع في بوتقة وطنية واحدة؛ للإعراب عن التضامن مع الأهل بغزة.

المناطق الحدودية مواقع سيادية، مُسيطر عليها من قبل القوات العسكرية، ويُحظَر الاقتراب منها في كل الأوقات، لأنها تُعد مناطق عمليات، ولديها تعليمات تُعرف بقواعد الاشتباك، والتي تعني "التنبيه وإطلاق النار".

والدولة تعمل على تجنيب أي شخص الخطر الداهم، وتجنيب القوات المسلحة الاشتباك مع أبنائنا، الذين أخذتهم العاطفة بدعوات التظاهر في المواقع الحدودية، كما أن حرس الحدود يتعامل ضمن قواعد اشتباك؛ لحماية حدود الوطن والأمن الداخلي، وهذا الأمر مُطبَّق لدى الطرف الآخر وفي كل دول العالم، ويُخشَى من وقوع أي حدث أمني على الحدود -لا قدر الله- من شأنه توريط الأردن، وجَرِّه إلى مسائل لا تُحمد عواقبها.

اليوم يحارب الأردن قوى الشر من تنظيمات إرهابية، على جبهات حدودية تسعى لاقتناص الفرص، وتتربّص بأمن الوطن من أجل تحقيق مآربها، فقد رُصدت منشورات لجهات متطرفة خالية من الإنسانية، تدعو إلى الاشتباك مع القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، وإلى التخريب والاندساس بين المتظاهرين، كما تدعو لصناعة قنابل يدوية ومهاجمة السفارات.

كما أن الفضاء الإلكتروني يَزخَر بالحملات الإلكترونية المشبوهة، التي تنطلق في بعض الدول العربية، هدفها خلق فتن داخلية والتشكيك في مواقف تلك الدول، وإظهار الأمور على غير حقيقتها، ولا بد من الحذر من هذه الهجمات، التي تحاول تقسيم المجتمعات وإثارة الإشاعات، وإضعاف الروح الوطنية للشعوب العربية.

الأردن يقفُ مع الشعب الفلسطيني في وجه العدوان الإسرائيلي، ويبذل كل الجهود لوقف الحرب وتحقيق السلام، ولكن من المهم أن يحافظ الأردنيون على وحدتهم الوطنية، وأن يبتعدوا عن أي دعوات قد تضرُّ بالمصالح الوطنية.