أبطال من نوع خاص .. موسيقات القوات المسلحة: أردنُ الكوفيّة الحمرا

جفرا نيوز/ محمود كريشان

في البدء.. من منا لم يطرب في الزمن الجميل، على أنغام العزف القشيب لموسيقات قواتنا المسلحة الأردنية الباسلة.. وما يتخللها من عزف قشيب على «القربة» ، الذي يحمل معه موروثات شعبية، تزامنا مع «دقة الطبل» التي تعانق الفضاء، وتبث الحماسة في الصدور، وتمسي نوبات مساء بإنتظام وإلتزام العسكرية الأردنية البهية.. والصوت يمتد ويصعد: «أردنُ الكوفيّة الحمرا.. أردنُ الجبهــــات السمرا.. والفارس لوّح للفارس.. والخــيلْ تحمحم للغــآرة»..  

موسيقات قواتنا المسلحة، التي تعطر المكان والزمان بمقطوعات موسيقية عذبة، يكون الحاضر الأبرز فيها دوما.. الوطن الأحلى.. القيادة الهاشمية الأغلى.. لتمتد تشكيلات موسيقات القوات المسلحة في مسيرها المنتظم، وعروضها العسكرية الخاصة والفريدة من نوعها من حيث التناسق في التشكيل والمسير والإستعراضات وحركات رشيقة لنقل بارودة «m1» او الـ»G3» التراثية من سواعد الجنود أثناء المسير على أنغام المقطوعات الموسيقية، وقد أثبتت جدارتها في كل مكان وفي كل المواقع التي شاركت بها في كبرى المهرجانات العالمية الكثيرة في العواصم العربية والأجنبية، وتميزت وتفوقت بصورة لافتة، ولاقت إعجاب وإستحسان مشاهديها.

*الفارس جمال زريقات

وقد شاركت موسيقات القوات المسلحة الأردنية في مهرجان أدنبرة الملكي العسكري للمرة الأولى عام1963، ومثلها آنذاك أحد ابرز قادتها الاشاوس في ثمانينيات القرن المنصرم القائد الفذ الأسبق لموسيقات القوات المسلحة،العقيد المتقاعد جمال زريقات "أبا يوسف" الذي تم تكُريمه اكثر من مرة كضيف شرف في المهرجان العالمي النخبوي، حيث يعدّ العقيد المتقاعد جمال زريقات من أبرز مؤسسي موسيقات القوات المسلحة، وقد كان محبا لدرجة كبيرة للموسيقى وخاصة القربة وتميز بمسيره الرشيق كقائد للفرقة الموسيقية بعصاه العسكرية، وتفوق على الفرق الإنجليزية والإسكتلندية والإيرلندية المشهود لهم بإحتراف موسيقى الجيوش. 

كما ان الأجيال السابقة كانت تشاهد العقيد جمال زريقات وهو يقود فرقة موسيقات الجيش بعزفها القشيب الذي يحرك في الوجدان أعمق صور الإنتماء والولاء ويبث الحماسة في القلوب وهي تعزف مقطوعات غنائية رائعة مثل: هاشمي..هاشمي..وانا أشهد هاشمي.. وعربي.. عربي الملك حسين.. وديرتنا الأردنية.. ديرة كبيرة وقوية.. محبوب الكُل جبينه هلّ قبالنا.. وفدوى لعيونك يا أردن.. ما نهاب الموت حنا.. وإذا وصلت الفرقة إلى أعلى مراحل التجلي يكون العزف النابع من جملة العشق  والولاء على أنغام القربة: سيدنا.. يا سيدنا.. الله يُنصر سيدنا.. كل الشعب العربي يقول: الله ينصر سيدنا..
ويذكر أن العقيد جمال الزريقات إبن بلدة الربة في الكرك، وكان من سكان حي المعانية في المحطة، وهو والد العميد الطبيب البارع يوسف زريقات، مدير الخدمات الطبية الملكية، والسيد جورج زريقات، المدير في مخابرات مدلاب الطبية الشهيرة.

البداية والتأسيس

وهنا.. فإن دراسات هامة ولقاءات سابقة كان قد قام بها الإعلامي عبدالله الشريف، والكاتب ناصر ميرزا، والرائد المتقاعد جريس الشعيني في كتابه عن الجيش الأردني، وتشير إلى أن موسيقات القوات المسلحة، تشكلت مع بداية تأسيس إمارة شرق الأردن عام 1921 وكانت البداية تتكون من عشرة عازفين كفصيل شكل مع غيره من الفصائل نواة الجيش العربي الأردني.
ومع مرور الوقت تطورت الفرقة وأصبحت تضم ستة فرق نحاسية يضم كل منها مجموعة من القرب الخاصة به ليصبح قادراً على القيام بالواجبات المختلفة بشكل فعال اضافة الى فرقة الأوركسترا السمفونية التي تأسست عام1977 .
وفي عام 1954 تم تأسيس مدرسة موسيقى القوات المسلحة الأردنية، واختير لهذه المدرسة نخبة من المدرسين المؤهلين على الصعيد الأردني والعربي والعالي لتأهيل الموسيقات نظرياً وعملياً وذلك من خلال عقد دورات مختلفة للجنود المستجدين الذين يتم تجنيدهم عند الحاجة اليهم ضمن شروط معينة يتم التركيز فيها على المؤهل العلمي، ويتم إرسال الذين وقع عليهم الإختيار إلى مراكز التدريب لمدة ثلاثة أشهر لإعدادهم عسكرياً ثم يتم إلحاقهم بهذه المدرسة مدة عامين ويمنح الخريج دبلوم في الموسيقى، كما يتم إرسالهم في دورات تدريب متقدمة إلى عدة دول مثل بريطانيا والباكستان والنمسا ومصر.

كما تشير المعلومات الى ان موسيقيات القوات المسلحة، قد شاركت في فعاليات مهرجان أدنبرة عام 1963 والتي حضرها انذاك جلالة المغفور له بإذن الله الملك الحسين «طيب الله ثراه» واشتركت بثمانين موسيقيا من تشكيلات القرب والنحاسيات وكانت أول مشاركة فيها للاردن بمهرجان دولي امام جمهور غربي وكان أبرز قادتها العقيد جمال زريقات، وقد صفقت مطولا الجماهير الغفيرة وهم يشاهدون الفرقة في قلعة أدنبرة، وهي تمضي بمسيرها العسكري الرشيق والمنتظم وفي المهرجان الإستعراضي الملكي في ايرلزكورت في لندن وقد حضر الإحتفال جلالة الملك الحسين «طيب الله ثراه» والعائلة المالكة البريطانية عام 1985 وقد صفقوا مطولا للفرقة على الأداء الجميل والمنظم والعزف الرائع والثقة بالنفس والتكتيك المتقن في المسير السريع والبطيء ودقة الطبل وعزف الفرقة.

هذا وقد حصلت موسيقات القوات المسلحة على جوائز عالمية رفيعة المستوى، ومنها حصولها على الدرجة الاولى والميدالية الذهبية وكأس مدينة باري في ايطاليا عام 1960 وكأس الجائزة الاولى في لندن عام 1955 وحصل عازفو الفرقة المشاركة على شهادات تقدير وشهادة تقدير من رئيس بلدية نيويورك في المعرض الدولي عام 1976 وأجراس الموسيقى كجائزة من رئيس جمهورية المانيا الإتحادية اثناء زيارته للأردن عام 1973 .

كما حازت على شهادة تقدير من الرئيس الأميركي فورد في مهرجان عيد المائتين عام 1976 وشهادة تقدير من رئيس بلدية دزني عام 1976 وكأس مهرجان حلب الدولي عام 1974 . وكأس مهرجان البحرين عام 1972.

ولعل أهم الواجبات الموكلة هي : تغطية مراسم القوات المسلحة الاردنية، والمشاركة في استقبال ووداع ملوك ورؤساء الدول الشقيقة والصديقة، وتغطية مراسم الوفود والضيوف الكبار وعمل نوبات المساء وتغطية الإحتفالات على مستوى المملكة، والمشاركة في احتفالات الدول المختلفة في أعيادها ومناسباتها، وتغطية برامج تدريب وفحص المشاة والكفاءة والتفتيش الإداري والمناسبات لمختلف تشكيلات القوات المسلحة، والمشاركة في مراسم دفن كبار ضباط الجيش والشهداء الأبرار.

مجمل العشق: سيبقى الجيش الأردني العربي المصطفوي.. كبرى مؤسسات الوطن..في صميم الوجدان الشعبي الأردني..لينهض العزف مجددا: بكتب إسمك يا بلادي.. على الشمس ألما بتغيب.. لا مالي ولا أولادي.. على حُبك ما فى حبيب.. يا دار الأوفى دار.. تلبق لِك الأشعار.. تبقى على الداير مِضوية.. مزروعة مجد وغار..

kreshan35@yahoo.com