«دربكة» داخل الأحزاب: من المستفيدون؟

جفرا نيوز - بقلم حسين الرواشدة

‏من المستفيد من حالة الارتباك داخل الأحزاب؟ نظريا، لا أحد، لسببين، الأول : أن إدارات الدولة، ومعظم أطياف المجتمع السياسي، يتفقان على مشروع التحديث الذي تشكل العملية الحزبية أهم روافعه، الثاني: أنه لا خيار أمام الدولة، وهي تدخل مئويتها الثانية، وتعمل لتمكين جبهتها الداخلية، وتعزيز صورتها السياسية، إلا ضمان نجاح هذا المشروع، وعدم السماح لأي طرف بعرقلته، أو تعطيله.

‏أما عمليا، فتبدو المسألة مختلفة، ثمة «دربكة» داخل الأحزاب، وثمة محاولات لإعاقة المسيرة الحزبية، بعضها يتحمل مسؤوليته الفاعلون الحزبيون الذين يتصدرون الصفوف، وبعضها تتحمله التشريعات التي صدرت لتنظيم العمل الحزبي، خاصة فيما يتعلق بالشق المالي، المجتمع، أيضا، بمؤسساته وأفراده، ما زال يتمنع عن الدخول للأحزاب، ويتشكك بجدواها وجديتها، والأهم أن بعض المسؤولين لم يخرجوا، بعد، من دائرة الريبة تجاه التجربة الحزبية، ويتعاملون معها بمنطقة الحذر، وربما الوصاية أيضا.

‏حالة « الدربكة» ستفرز رابحين وخاسرين، أشير -على سبيل المثال فقط- إلى ثلاثة أطراف سيخرجون، بتقديري، رابحين من المشهد الحزبي، إذا استمر على هذا المسار لما قبل الانتخابات البرلمانية (آب 2024 )، الأول : حزب جبهة العمل الإسلامي (الاخوان المسلمون )، الأسباب عديدة، منها ان كل الأخطاء التي ترتكبها الأحزاب الأخرى، القديمة والجديدة ستصب في حساباته، كما أن الحزبين اللذين تشكلا لمنافسته على المجال الديني، ثم اندمجا في حزب واحد تخلى عن قاعدته ومشروعه الذي أطلقه، وحاز على أساسه جزءا من الجمهور الديني، زد على ذلك ما لدى الاخوان من تجربة طويلة بالعمل السياسي، والتحشيد الانتخابي، إذا صح هذا التقدير، فإن عودة الإسلام السياسي، بزعامة الإخوان المسلمين، إلى البرلمان بزخم كبير، ستكون مفاجأة الانتخابات البرلمانية القادمة، بعد أكثر من 10 سنوات على اشهار « الطلاق» بينهم وبين الدولة، ثم تراجع رصيدهم الشعبي، وعمق أزمة الداخلية،

‏اما الطرف الثاني الرابح من « الدربكة» الحزبية الحالية فهو قوى الوضع القائم، أو الشد العكسي، وهي موجودة داخل بعض إدارات الدولة (البيروقراطية)، وداخل المجتمع، كما أن لها امتدادات أخرى في مجالات البزنس، والمضارب الاجتماعية، وربما خارج الحدود، هذه الكتلة تعتقد أن مشروع التحديث، وتجربة الأحزاب، تمثل تهديدا لوجودها ومصالحها وامتيازاتها، وتشكل نقلة نوعية بإدارة الدولة، تتعارض مع مشروعها القائم على إبقاء الوضع على ما هو عليه، وبالتالي ستحاول أن تستغل هذه «الدربكة»، وتنفخ فيها، لإقناع الجميع أن الحزبية ليست الوصفة المناسبة لبلدنا، أو أن التجربة محكوم عليها بالفشل مسبقا.
‏ثمة طرف ثالث رابح أيضا، تمثله كتلة كبيرة عنوانها «السواد العام « ممثلو هذه الكتلة يراهنون ( وفق قناعات لديهم ) على عرقلة التجربة الحزبية وفشلها، ومع انهم سيكونون ضحايا لذلك إن حدث، إلا أن مجرد حصوله سيجعلهم يشعرون أنهم كانوا على حق، حين عزفوا عن المشاركة السياسية، وزهدوا بالأحزاب، هؤلاء لا يعترفون أنهم جزء من المشكلة، ولا يريدون أن يكونوا جزءا من الحل، وذلك لأن مفهوم الربح لديهم ينحصر في نقطة واحدة، وهي أن شكوكهم كانت في محلها، وأنهم يملكون (عيون زرقاء اليمامة).

‏لا يخطر ببالي، أبدا، أن أدين أي طرف من الأطراف السابقة، أو أقلل من دوره، وحقه بالدفاع عن نفسه ومصالحه ووجهات نظره، ما أردت أن أقوله هو أن المطلوب أن تنجح التجربة الحزبية عل قاعدة الجميع رابحون، لا على أساس أغلبية تخسر وقلة تربح، ثم أن تتقاسم القوى السياسية كلها رفع «الحجر الوطني» معا، دون أن يستفرد به طرف، صحيح، الإسلاميون جزء من المجتمع ومرحب بحضورهم، لكن هذه «الدربكة» ستفقدنا قوى أخرى وازنة ممثلة للمجتمع ومتصالحة مع الدولة، زد على ذلك (وهو الأخطر) أن نجاح قوى الوضع القائم، بتسجيل أهدافها ضد هذه التجربة، سيعيدنا للوراء الذي نحاول جميعا أن نخرج منه.