"التيك توك" ساحة لمعارك الـ "فود بلوغرز"

جفرا نيوز - يتغلغل الطعام في حياة البشر كأنفاسهم، إذ يعتبر مركزياً بالنسبة إلى الحياة البيولوجية والاجتماعية، فنحن نتناول الطعام مراراً وتكراراً عبر الأيام وفصول السنة، لنملأ بطوننا ونشبع جوعنا العاطفي والجسدي.

وتقع المشاركة في الأكل موقع القلب من العلاقات الاجتماعية، إذ تنشأ علاقات عائلية وصداقات باقتسام ألوان الطعام وطعمها، فالطعام نتاج تنظيم المجتمع ومرآته على أوسع المستويات وهو مرتبط بكثير من أنواع السلوك وله معان لا نهاية لها.

ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي عاد الطعام ليرسخ وجوده كأكثر عادة اجتماعية، إذ استطاع جمع الناس من كل بقاع الأرض وعرفهم على ثقافات جديدة وأدخل معهم العلماء في حيرة من أمرهم لتفسير سره وسحر جاذبيته التي لا تقاوم.

ومع كل تطبيق جديد يأخذ الطعام وتحضيره مكاناً كبيراً بين صانعي محتواه ومتابعيه، فمن "يوتيوب" إلى "إنستغرام" واليوم يحتل ساحات "التيك توك"، إذ أصبحت هذه المنصة هي الأقوى لمدوني الطعام أو ما يعرف بالـ"فود بلوغرز".

إلهام "تيك توك"

شاعت منصة "تيك توك" في فترة زمنية قصيرة جداً وجلس الناس ساعات طويلة يتصفحون المقاطع القصيرة المنشورة عليه من دون الشعور بالوقت، وبخاصة أثناء جائحة كورونا، إذ تضم المنصة مجتمعاً نابضاً بالحياة من هواة التكنولوجيا والخبراء المتمرسين بها، ممن يجتمعون معاً للتواصل ومشاركة تجاربهم وإنشاء محتوى يعبر عن اهتماماتهم.

لاقى محتوى الجمال رواجاً كبيراً على "تيك توك" منذ عام 2021، إضافة إلى أن المنصة غيرت عالم الأزياء وقلبت الأساليب التقليدية في الموضة والتغيرات التي تطرأ عليها رأساً على عقب، لتضع بين يدي مجتمعها الإبداعي القدرة على تحديد اتجاهات عالم الموضة.

والطعام من أهم المجالات التي لاقت رواجاً منقطع النظير إذ كان "تيك توك" المكان الوحيد الذي يجمع بين الطعام والتعلم والترفيه، فبفضل تنوع هذا المجتمع، تحولت وصفات الطعام سريعة التحضير مثل الكيك إلى جزء أساس من وصفات الطهي الحديث على المنصة.
 
واتجه الرواد إلى حسابات صناع المحتوى وغيرهم من المستخدمين الآخرين للحصول على الإلهام حول وصفات الطعام، إذ من إحدى ميزات هذه المنصة أنها تسطيع تقديم خطوات طبخة كاملة مع إرشاداتها في حدود ثلاث دقائق، ومن بين أشهر الاتجاهات في هذا المجال كان هناك "وصفات طعام تعليمية" و"طعام يشبع العين والمعدة"، وأما الاتجاهات الجديدة فتشمل "رحلة المذاقات عبر تيك توك" و"أهم نصائح الطهي".

ذاكرة الحواس

إن السؤال الذي يطرح نفسه، لماذا يحقق محتوى الطعام هذا الانتشار الساحق، ويحمل بين طياته كل هذا التأثير؟

وللجواب عليه، يجب معرفة أن الطعام يجمع بين طياته تجربة الحواس الخمسة، فلا تتحرك حاسة حتى تتبعها باقي الحواس ولو بشكل إيحائي، فالطعام مجموعة من التجارب والعادات التي حفظ الدماغ روائحها ونكهاتها وشكلها وملمسها وحتى صوتها، وعليه فعندما تقع العين، باعتبار هذه التطبيقات مرئية، فإن باقي الحواس تستحضر نفسها وتستعيد ذاكرة جيدة مع الطعام الذي يعتبر بغالبه تجربة عاطفية.

ويرافق هذه اللحظات سيلان في اللعاب فسره العلماء بأنه عند رؤية أو شم أو تخيل الطعام منذ الصغر يعلم الدماغ عبر التجارب المتكررة أن أشكالاً معينة من الأكل تعني طعماً لذيذاً وإحساساً بالسعادة، لذلك كلما رأى الدماغ تلك الأشكال المميزة للأطعمة اللذيذة، وكان يعلم أن هذه الأطعمة سيتم التهامها عما قريب فإنه يتحفز ويرسل إشارة عصبية إلى النخاع المستطيل.

خاصية الدمج

وتلعب وسائل التواصل الاجتماعي اليوم بما فيها "تيك توك" الذي حول مقاطع الفيديو إلى محادثات تفاعلية ثنائية الاتجاه باستخدام ميزات مثل (Stitch) و(Duet)، التي تتيح دمج المقاطع الخاصة بأشخاص آخرين مع الفيديو الخاص بكل شخص، حيث استفادت منها مقاطع طهي الطعام..

 
الصين تحمي صغارها من "تيك توك" فماذا عن أطفال العالم؟ 

رؤية الأطعمة ومتابعة كل تفصيل من طرق تحضيرها ومكوناتها عبر "تيك توك" تثير اللعاب والشهية لتناولها، إضافة إلى تفعيل ما يسمى نظام المكافآت، وهذا الأخير هو نتيجة الآليات المعقدة، التي تحدث في دماغنا والتي تنطوي على جزء يسمى "الدوبامين"، فعندما نأكل شيئاً نحبه يقوم بإخبار الدماغ كم أحببنا هذا الطعام ويسجل الإحساس به، مما يولد إحساساً بالرضا، ويبدو أن الحاجة إلى الإشباع أكثر وضوحاً في الأشخاص الذين يعانون زيادة الوزن، مما يجعل من الصعب عليهم مقاومة إغراء الطعام الذي يرونه معلناً عنه.

الجوع البصري

إن تعرض الناس المفرط لصور وفيديوهات الطعام حذا بالعلماء إلى دراسة الآثار المترتبة على مثل هذه الصورة الزائدة على الشهية والصحة والعادات الغذائية، وصاغوا في ضوء ذلك مصطلح "الجوع البصري" لوصف الرغبة في رؤية صور الطعام والإحساس اللاحق بالجوع حتى لو كان الشخص يشعر بالشبع، ولكن الذي يحدث هنا أنه خلال التطور علمت أدمغتنا أن رؤية الطعام عادة ما تعني أننا على وشك تناوله ورداً على ذلك تبدأ في تنشيط استجابات مختلفة لتحضير الجسم لتناول تلك الوجبة.

هناك اكتشاف آخر قامت به جامعة أكسفورد، وهو أن انتباه الأفراد ينجذب إلى صور الطعام الغني بالدهون بدلاً من الأطعمة الصحية أو قليلة الدسم، والسبب أنه توجد في الدماغ قدرة على إدراك القيمة النشطة للطعام وفقاً للتجارب السابقة، إضافة إلى أنها تظهر بشكل أكثر متعة، وعليه فإن الدماغ قادر على مضاهاة هذه المتعة مع السعرات الحرارية، مما يؤدي إلى نوع من التنبيه والشعور بالارتياح.

ومن بين أسباب انتشار فيديوهات الطعام ما لها علاقة أولاً بالرغبة في التعلم، وأخرى متعلقة بالترفيه وحب الاستكشاف، وأيضاً من أجل التخفيف عن النفس برؤية طعام شهي يحضر أمامنا.

والأهم أن الفيديو يقدم للمشاهد كل شيء خلال تحضير الشيف للطعام، وذكر موقع "تشلسيا ديشز" الذي يرصد العلاقة الفريدة بين الإنسان وحبه لفيديوهات الطعام، وعلاقة ذلك بكيمياء المخ، "أن شهيتنا واختياراتنا الغذائية أمر معقد للغاية، ولكننا نميل لاختيار الطعام بناء على عوامل عدة وهي الجوع والكلفة وسهولة الوصول له، مع الوقت ومهارة صنعه، وكذلك عوامل نفسية مثل سوء وحسن المزاج".