الحواتمة يكتب : قراءه في تطورات الحرب الروسية الأوكرانية
جفرا نيوز - بقلم الفريق ركن حسين الحواتمة
يقول مارتن لوثر كينغ أن اللاعدالة في أي مكان تهدد العدالة في كل مكان ، وهذا ينطبق على الحرب كونها شكل من اشكال اللاعدالة ‘ وبما ان الحرب الروسية الأوكرانية اول حرب تقليديه (استقطابيه) تدور على أراضي أوروبية يجب دراستها و متابعتها بشكل تحليلي سياسي استراتيجي متزن ، وبسبب التطور التكنولوجي الكبير الذي توصلت له البشرية في مجالات النقل ، والسلاح ، الاتصالات وغيرها من المجالات والتي لستُ بصدد حصرها ، فأن تأثير الحروب الحديثة لم يعد يقتصر على مسارح العمليات في الدول المشاركة او دول الجوار الجغرافي بل يتعداه الى دول الجوار الاستراتيجي ، وسأتطرق لمفهوم الجوار الاستراتيجي بشكل مقتضب ، كونه توسع بشكل كبير ليشمل كل دول العالم بسب التطور الذي تحدثت عنه وجعل من العالم ما يشبه الولاية او المدينة الكبيرة ، ويقصد بالجوار الاستراتيجي هو أن أي دوله لديها مقومات سياسيه ، عسكريه ، اقتصاديه ، تكنولوجية وغيرها من مقومات قوة الدولة و التي تمكنها من التدخل عسكريا ، سياسيا و اقتصاديا في أي دولة أخرى فأنها تعتبر جارة استراتيجيه لها ، ويجب على الدولة المتأثرة بهذا الجوار ان تأخذ ذلك بعين الاعتبار في سياساتها و استراتيجياتها المختلفة .
فعلى سبيل المثال وليس الحصر فأن الولايات المتحدة و بسبب ما تمتلكه من مقومات القوة السياسية والعسكرية والصناعية وغيرها من مقومات القوة الكثيرة لديها ، جعلت منها جارا استراتيجيا لكل من أفغانستان و العراق وخاضت حروب تقليديه ضدهما بغض النظر عن الأسباب والنتائج . كما انه يجب توضيح مستويات الأهداف العسكرية و السياسية للحرب كمدخل لموضوع تداعيات هذه الحرب على العالم و الدول العربية ، فعندما يتم اتخاذ قرار الحرب من قبل صناع القرار يتم وضع اهداف لها و عادة تكون الأهداف على ثلاث مستويات ( استراتيجية strategic ، عملياتية operational ، تعبوية tactical ) ، وهدف الحرب على المستوى الاستراتيجي ينفذ من خلال تبني استراتيجية عملياتية للقضاء على الخصم من خلال تدمير مقومات الدولة المعادية العسكرية ، الصناعية ، الصحية ، التعليمية ، السياسية وغيرها من المقومات باستخدام كل وسائل القوه المتاحة ودون أي محددات في بعض الأحيان ، لكي لا يشكل الخصم أي تهديدا مستقبليا للدولة التي تشن مثل هذا المستوى من الحروب ، وهي اكثر الحروب تأثيرا على الامن والسلم الدوليين.
و بالنسبة لهدف الحرب على المستوى العملياتي قد يكون لتحرير أراضي محتله او تعديل للحدود او السيطرة على بعض الموارد الطبيعية المتنازع عليها وغيرها من الاسباب ، بحيث تنفذ هذه الحرب من خلال تبني استراتيجية عمليات تترجم الى خطط عسكرية و سياسيه فيها الكثير من المحددات مثل مدة للحرب ، تحديدات استخدام الأسلحة و الخطوط التي لا يسمح بتجاوزها ، و يكون للخطط السياسية المساندة لخطط العمليات دورا كبيرا في هذا المستوى من الحروب اما لكسب الدعم و التعاطف الدوليين او لا ضعاف سياسة الدولة المعادية ، ويكون تأثيرها لا يتعدى دول الإقليم في أسوأ الأحوال ، اما الحرب على المستوى التكتيكي فيكون هدفها الرئيس احداث خسائر محدودة في البنية التحتية و الأرواح و الممتلكات من خلال عمليات خاطفه من قبل سلاح الجو ، المدفعية ووحدات النخبة في القوات البرية ، ويعتبر بعض من هذه الحروب نوعا من الحروب الوقائية او التخريبية ، ويقتصر تأثيرها على الدول المتحاربة ولا يخلو الامر من بعض التداعيات السلبية على دول الجوار مثل تقييد حركة الطيران و النقل والتداعيات الاقتصادية والإنسانية بسبب احتمالية حدوث حركات لجوء وضرورة تواجد قوات اكثر من الوضع الاعتيادي على الحدود .
وبالعودة الى الحرب الروسية الأوكرانية و تحليل مجرى العمليات العسكرية و السياسية و تأثيراتها على العالم و دول الشرق الأوسط خاصة ، وبما ان هذه الحرب لازالت تراوح بين المستويين العملياتي و التكتيكي ولم تصل بعد الى المستوى الاستراتيجي ، يجعل تأثيراتها المختلفة يقتصر على دول الصراع وبعض دول الجوار( متعمد أحيانا ) كون الأسلحة التي تستخدم في مثل هذه المستويات من الحروب تكون دقيقه وضد اهداف منتخبه وقدرتها التدميرية تتناسب وحجم تلك الأهداف , و بالنسبة للدول العربية و دول الشرق الاوسط يقتصر تأثير الحرب عليها في هذه المرحلة على الاثار الاقتصادية و السياسية كون اطراف الصراع والداعمين لأوكرانيا هم احد اهم المصادر التي تستورد منها الدول العربية والشرق أوسطية المنتجات الصناعية والغذائية وغيرها .
وفي زمن الحرب يحدث شح في المواد الرئيسية و ترتفع أسعارها و الى هنا يبقى الوضع تحت السيطرة بحيث تستطيع الدول تدبر امرها و تعويض النقص في الواردات من دول أخرى ، لكن ان استمرت هذه الحرب و مع غياب الأفق السياسي للحل و وجد أي طرف نفسه مضطرا للدفاع عن وجوده ، فأن حدة العمليات و ضراوتها ستزداد يوما تلو الاخر لتصبح حربا تدميريه من المستوى الأول لا تذر و لا تُبقي وستصبح غالبية دول العالم ومن ضمنها دول العالم العربي والشرق الأوسط بشكل عام وعلى عكس رغبات صناع القرار في هذه الدول في البقاء بعيدين عن هذا الصراع ، ستجد نفسها تحت وطأة التأثيرات الكبيرة العسكرية او السياسية او الاقتصادية او جميعها وذلك للأسباب التالية و سأقوم بالتركيز على انعكاساتها على دول الشرق الأوسط : و اول هذه التأثيرات أن الحرب اذا تحولت الى المستوى الأول كحرب تقرير مصير فلن يكون هنالك أي ضوابط و محددات في استخدام الأسلحة وخصوصا الأسلحة النووية والكيماوية و البيولوجية علما بأن أسلحة الدمار الشامل تطورت بشكل كبير و السلاح البيولوجي في هذه الدول تضاعفت اخطاره ولم يعد يقتصر على الجمرة الخبيثة التي تستطيع الانتشار بشكل واسع بفضل تطور وسائل الالقاء وسرعتها .
كما انه في حال مالت الكفة لصالح الروس لن يبقى العالم الغربي داعما لأوكرانيا فقط من خلال تقديم الأسلحة والخبرات والدعم الاستخباري ، بل سيتحرك حلف الناتو بأكمله لدخول المعركة بشكل مباشر ، اما اذا مالت الكفة لصالح أوكرانيا والداعمين الغربيين فان الروس لن يترددوا باستخدام كل ما لديهم من قوة تدميريه ، بالإضافة الى ان المحور الصيني الكوري الإيراني على الأقل لن يقف محايدا امام مشهد انهيار روسيا والتي تعتبر حاجز الصد الاول لهذه الدول ضد الخطر العسكري الغربي ، و من الممكن ان تتحول الى حرب عالميه ثالثه يصعب التنبؤ بنتائجها ، و أيا كان الطرف المنتصر فأنه سيقوم برسم السياسة العالمية الجديدة و تغيير النظام العالمي برمته لمصلحته كاستحقاق مقابل التضحيات والخسائر التي قدمها وكما حصل بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية و انتصار الحلفاء .
والمطلوب من دول الشرق الأوسط والدول العربية التفكير في التعامل مع معطيات الحرب من هذا المستوى اثناء دوران رحاها من خلال وضع استراتيجيات سياسيه ، عسكريه واقتصاديه للحد من تأثيراتها السلبية ، وخصوصا ان بعض دول الصراع الحالي لها تواجد عسكري على أراضي دول عربيه مثل سوريا ، و أيضا لبعض الدول المحتمل دخولها الحرب تواجد عسكري و ثقل سياسي بشكل مباشر وغير مباشر في اليمن ولبنان ، اما في مرحلة ما بعد الحرب فيجب ان يكون للدول العربية و الشرق أوسطية تطلعات و مطالب للدخول في النظام العالمي الجديد و الذي كما اسلفت سيحدده الطرف المنتصر ، وعلى ان تكون هذه التطلعات و المطالب تخدم المصالح العليا للدول العربية و الشرق اوسطيه منفرده و مجتمعه ، لكي لا يتكرر سيناريو مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية والتي لايزال الشرق الأوسط والعالم بشكل عام يعاني من اثارها ، وفي النهاية أتمنى ان لا يحدث الأسوأ وان يتم التوصل لحل سياسي يوقف الحرب عند هذا الحد ، و معالجة التشوهات في النظام العالمي الحالي ليصبح اكثر عدالة و يراعي مصالح جميع الشعوب بغض النظر عن وجودها في دول ناميه او متقدمة ليقود العالم الى مستقبل اكثر امنا و اشراقا ، و يكون قادرا على معالجة التحديات و التهديدات التي تواجه العالم مثل الاحتباس الحراري ، الفقر ، الجهل ، التطرف والإرهاب ، حقوق المرأة والطفل وغيرها من التحديات والتي لا تخفى على صناع القرار في هذا العالم ، وبالنسبة للحرب فكما لها مستويات استراتيجية و عملياتية و تكتيكية لها نتائج بهذه المستويات .