معقول يحدث هذا.. ولا تتدخل الهيئة؟!

جفرا نيوز - بقلم حسين الرواشدة

‏لماذا لا تتحرك الهيئة المستقلة للانتخاب، للتحقق من انضباط السلوك الحزبي؟ استدعاء السؤال ضروري لسببين، الأول : معرفة حدود تدخل الهيئة بالأحزاب، من جهة التزامها بالقانون وأخلاقيات العمل السياسي والحزبي، هذه الحدود مازالت مبهمة وبحاجة إلى توضيح، لا سيما وأن تجربة الهيئة بالإشراف على الأحزاب ما زالت جديدة، كما أن تجربة الأحزاب، في إطار منظومة التحديث، ما زالت وليدة.

‏أما السبب الثاني فيتعلق بأربع وقائع شهدتها الأحزاب، خلال الأشهر الماضية، ترتبط بالمال السياسي (الأسود : لا فرق )، آخرها تصريحات اثنين من الأمناء العامين للأحزاب، أحدهما ذكر أن بعض الأحزاب اخترقها المال السياسي، وسيذهب أصحابها للسجن قريبا، فيما أكد الثاني أنه عُرض عليه مبلغ مليون دينار ثمنا للمقعد الأول على قائمة الحزب للانتخابات، وأن أحد النواب الحاليين عرض عليه كذلك 600,000 دينار للحزب، و 200 الف دينار له شخصيا (برّاني )، التصريحات منشورة وموثقة، أما السؤال الذي يخطر للبال على الفور فهو، أليس من واجب الهيئة أن تتحقق من هذه التصريحات، ثم تضع ملفها أمام القضاء العادل؟.

‏أعرف، تماما، أن الهيئة استجابت للتعديلات الدستورية الأخيرة التي وسعت صلاحيتها لتشمل الأحزاب، ثم أنشأت وحدة للأحزاب، أناطت بها مهمة النظر بطلبات تأسيس الأحزاب، ومتابعة شؤونها، أعرف، ثانيا، أن رئيس الهيئة (المهندس موسى المعايطة) تحدث مرارا، وبكافة تصريحاته، عن حيادية الهيئة، وأنها لا تتدخل بالشأن السياسي داخل الأحزاب، وتكتفي بمتابعتها بمن نص عليه القانون، لا أدري، بالطبع، إذا كان القانون اعطى للهيئة صلاحية ملاحقة التصريحات، أو الشكاوى التي تصلها، حول المال السياسي، وهي كما ذكرت معلنة وموثقة في أربع وقائع على الأقل، أم أن وظيفتها تقتصر على منح ( التراخيص) فقط؟.

‏قلت : المال السياسي تحديدا، وذلك لاعتبارات عديدة، منها أنه بدأ يتسلل إلى الأحزاب، ومن المتوقع أن يقتحم بجرأة أكبر خلال الأشهر القادمة، أقصد موسم إعداد قوائم المرشحين من الأحزاب للانتخابات البرلمانية، ومنها أن معظم الأحزاب تعاني من قلة «ذات اليد «، ولا يوجد لديها أي باب لتسديد نفقاتها وحملاتها الانتخابية باستثناء التبرعات، وبالتالي سيكون أمام المال السياسي و» أباطرته» فرصة ذهبية للدخول على الخط، ومحاولة شراء مقاعد في البرلمان القادم، وربما احزاب بكاملها ايضا.
‏من هذه الاعتبارات، أيضا، أن صمت الهيئة على ما صدر من تصريحات حول المال السياسي، سيكرس حالة من القبول والشرعية لتمرير المزيد من الصفقات، كما أنه سيفرز سوقا للمزايدات، من يدفع أكثر، والأخطر أنه سيدفع الناخبين للعزوف عن الانتخابات، والتشكيك بالعملية، ثم تجريح مشروع التحديث السياسي، فمن يتحمل مسؤولية ذلك؟.

‏إذا كانت الهيئة المستقلة للانتخاب، هي الجهة الرسمية الوحيدة، المخولة قانونيا، بالتدخل في هذا الملف، وفي غيره مما يقع من أخطاء داخل الأحزاب، فإن اختيارها الانكفاء أو الصمت أو الحياد، لاعتبارات قد تكون مفهومة أو غير مفهومة، لا يصب في الصالح العام؛ صالح الدولة ومشروع التحديث، وصالح الأحزاب وتجربتها الوليدة، كما أنه لا يُعبّر عن المقاصد الدستورية المرتبطة بنقل ملف الأحزاب من وزارة الشؤون السياسية إلى الهيئة المستقلة، الاستقلالية، هنا، تمنحها ما يلزم من مشروعية وصدقية للقيام بمهمة المتابعة والتحقق، بما يتعلق بالداخل الحزبي، متى ظهرت أي إشارة للتجاوز على القانون.

‏معقول أن تسمع الهيئة -علناً - أمينا عاما لأحد الأحزاب يقول على الملأ: عُرضت عليّ رشوة من أحد النواب، أو ان تراقب جدلا واسعا حول تصريحات أمين عام آخر يؤكد أن رؤوسا ستدخل السجن بتهمة المال السياسي، ثم تقف صامتة وتتفرج؟ معقول أن تترك مهمة الرد على مثل هذه الاتهامات للأردنيين، وأي رسالة تريد أن تبعثها اليهم؟ معقول أن يحدث كل هذا وأمامنا 10 أشهر، فقط، على أهم امتحان (الانتخابات البرلمانية)، هذا الذي تستعد له الدولة لكي تدخل مئويتها الثانية، بمعدل ناجح أضعف الإيمان.. معقول؟