مشروع قانون النفط والغاز العراقي.. "العقدة الكبرى" لم تحل بعد

جفرا نيوز -منذ الدورة الأولى لمجلس النواب العراقي، في عام 2005، ما زال مشروع قانون النفط والغاز حبيس الأدراج، إذ تحول خلافات دون إقراره بصيغته النهائية.

وبعد 18 عاما، أعلن، في أواخر أغسطس الماضي، تشكيل لجنة لوضع "مسودة لقانون النفط والغاز وعرضها على الحكومة ومجلس النواب" بحسب ما كشف النائب، فراس المسلماوي، لوكالة الأنباء العراقية "واع".

وأكد النائب أنه "توجد إرادة حقيقية لمجلس النواب من أجل تشريع القانون"، مشيرا إلى أن "نفط العراق واحد لا يتجزأ وهناك حراك باتجاه تحقيق العدالة في توزيع الثروات للشعب سواء في إقليم كردستان أو الوسط أو الجنوب".

ويصدِّر العراق ما معدله 3.3 ملايين برميل من النفط الخام يوميا، ويشكل الذهب الأسود أكثر من 90 في المئة من موارد الخزينة العراقية.

مشروع قانون النفط والغاز
مشروع قانون النفط والغاز العراقي ينظم هذا القطاع الحيوي للعراق وإدارة الحقول النفطية في البلاد من خلال شركة وطنية واحدة على أن يتم إيداع الواردات في حساب واحد.

المستشار المالي لرئيس الوزراء العراقي، مظهر محمد صالح، أكد في تصريحات لموقع "الحرة" أن "التعجيل في إقرار قانون مشروع النفط والغاز الاتحادي في مجلس النواب بالسرعة الممكنة سيؤسس لخريطة طريق وطنية مستقرة للاستثمار والإنتاج للمورد السيادي الأساسي في البلاد، وهو النفط والغاز".

وأوضح أن هذا "المورد الطبيعي تبلغ مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي للعراق بنسبة مباشرة تقرب من 50 في المئة، ويترك تأثيرا غير مباشر على إجمالي النشاط الاقتصادي لبلادنا بنسبة لا تقل عن 85 في المئة".

وقال صالح إن "اعتماد سياسة نفطية وطنية موحدة، وتحقيق الاستثمار والإنتاج الأمثل على مساحة العراق النفطية ابتداء من حقول الجنوب صعودا إلى حقول الشمال والإقليم، هو أمر مهم واستراتيجي في موضوع الاستفادة من تكاليف الفرصة في التشغيل الأمثل والمتجانس للسياسة النفطية العراقية حاليا".

ناهيك عن "تحقيق أفضل العوائد المالية للبلاد التي نتطلع إليها جميعا لتمويل بناء الاقتصاد العراقي وأساسيات التنمية المستدامة"، بحسب المستشار صالح.

وتنص مسودة مشروع قانون النفط والغاز في العراق المتوفرة لدى البرلمان على أن مسؤولية إدارة الحقول النفطية في البلاد يجب أن تكون مُناطة بشركة وطنية للنفط، ويشرف عليها مجلس اتحادي متخصص بهذا الموضوع.

من جانبه يشير قانون النفط الكردستاني إلى أن للحكومة العراقية "حق المشاركة في إدارة الحقول المكتشفة قبل عام 2005، لكن الحقول التي اكتشفت بعدها تابعة لحكومة الإقليم".

وتضم اللجنة التي تشكلت بين بغداد وكردستان لصياغة مسودة قانون للنفط والغاز كلا من "وزير النفط ووزير الموارد الطبيعية في الإقليم ومدير عام شركة سومو والكادر المتقدم في وزارة النفط، فضلا عن المحافظات المنتجة للنفط كالبصرة وذي قار وميسان وكركوك" بحسب وكالة "واع".

وقال رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، في مطلع أغسطس الماضي، أن "مشروع قانون النفط والغاز من القوانين الأساسية والمهمة، يمثل عامل قوة ووحدة للعراق، وهو عالق منذ سنوات، في وقت أن البلد اليوم في أمسّ الحاجة لتشريعه والاستفادة من هذه الثروة الطبيعية، في كل المجالات والقطاعات، فضلا عن إسهام تشريع القانون في حل الكثير من الإشكالات العالقة".

وأوضح أن "هناك محافظات لم تستثمر ثرواتها حتى اليوم، ما يعد أمرا سلبيا على مساعي التنمية بمساراتها كافة"، بحسب تقرير لوكالة "واع".

مشروع القانون وكردستان
وشكل النزاع في موضوع النفط مصدر توتر أساسي بين بغداد وأربيل لسنوات، فقد وصل الأمر، العام الماضي، إلى القضاء، حيث كانت ترى أربيل أن الحكومة المركزية تسعى لوضع يدها على ثروات الإقليم، بحسب تقرير لوكالة فرانس برس.

وفي فبراير عام 2022، أمرت المحكمة الاتحادية في بغداد الإقليم بتسليم النفط المنتَج على أراضيه إلى بغداد، وإلغاء عقود وقّعها الإقليم مع شركات أجنبية.

ووصل الأمر إلى حد إبطال القضاء في بغداد لعقود مع شركات أجنبية عديدة، لا سيما أميركية وكندية.

وبعد سنوات من تصديره منفردا للنفط عبر تركيا، بات على إقليم كردستان المتمتع بحكم ذاتي، الالتزام، اعتبارا من أواخر مارس عام 2023، بقرار هيئة تحكيم دولية أعطى لبغداد الحقّ في إدارة كاملة لنفط كردستان.

وتوقفت إثر ذلك الصادرات من الإقليم. وينص اتفاق مؤقت وُقِّع بين بغداد وأربيل مطلع أبريل، على أن تتم مبيعات نفط كردستان عبر شركة تسويق النفط العراقية "سومو"، أما الإيرادات المحققة من حقول الإقليم، فتودَع في حساب مصرفي لدى البنك المركزي العراقي أو أحد المصارف المعتمدة من قبل البنك المركزي العراقي.

رئيس دائرة الإعلام والمعلومات بحكومة إقليم كردستان، جوتيار عادل، أكد على أهمية تشريع قانون النفط والغاز "لكون أن هذا القطاع لا يزال يعمل دون تنظيم قانوني ويعتمد فقط على قانون وزارة النفط الصادر في سبعينيات القرن الماضي والذي لا يتماشى مع الوضع ما بعد عام 2003".

وقال في رد على استفسارات موقع "الحرة": "هناك إقليم كردستان ومحافظات منتجة للنفط والغاز، ولكون إدارة القطاع هذا مناطة للحكومة الاتحادية والإقليم والمحافظات المنتجة معا، فيجب أن يشرَّع القانون وفق رؤية مشتركة معبِّرة عن مواد الدستور".

وحذّر عادل من تمرير مشروع القانون بطريقة "تعبّر عن إرادة طرف بشكل منفرد"، إذ أنه يجب أن يعكس مبدأ "الشراكة الحقيقية، وأن يتضمن آليات الاستخدام الأمثل لموارد العراق الطبيعية، وضرورة ضمان حقوق كل الأطراف بشكل عادل ومنع زوال طرف على حساب طرف آخر".

"العقدة الأكبر"
الباحث السياسي الكردي العراقي، سامان نوح، قال إن "العقدة الأكبر حول مشروع القانون ترتبط بشأن صلاحيات الاستثمار والاستخراج والتسويق بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان".

وأضاف في حديث لموقع "الحرة" أن الحكومة الاتحادية تريد أن "يضمن القانون أن تكون لها الكلمة الفصل في الاستخراج والتسويق، أي أن تتحكم فعليا بمبيعات النفط وتضمن وصول الواردات إليها حصرا، بينما حكومة الإقليم تشدد على حقها في الاستخراج والتسويق".

ناهيك عن "تواجد خلافات تتعلق بإدارة الحقول النفطية الجديدة، إذ أن إدارتها تكون بالتنسيق مع الحكومة الاتحادية، وبالتالي يحتاج القانون إلى تفصيل معنى التنسيق وكيفية حصوله وطبيعته وتوقيته"، بحسب نوح.

ويشير نوح إلى خلافات أيضا بشأن "مجلس النفط الاتحادي الذي يفترض أن يحكم الملف النفطي، وهذه الخلافات لا ترتبط بإقليم كردستان فقط، بل بالمحافظات المنتجة للنفط والغاز أيضا، وتتمثل في صلاحيات المجلس ومن يمثله، وحجم التمثيل".

ويرى أن هذه النقاط الخلافية تدفع منذ سنوات إلى عدم البتّ في القانون وتأجيله، خاصة أنه يرتبط بالمورد الذي يشكل أكثر من 90 في المئة من واردات البلاد، وتسويته تحتاج إلى قرارات سياسية.

ويؤكد نوح أنه بعد خسارة إقليم كردستان لـ"استقلاله الاقتصادي، يريد تشريع قانون عادل ومتوازن يتوافق مع تفسيره للقواعد الدستورية ومع النظام الفيدرالي الذي يمنح للإقليم صلاحيات واضحة، ولا يفرض إرادة طرف على الآخر، لذا يشدد على أن يصدُر القانون بالتوافق والاتفاق على كل التفاصيل".