عصا الزئبق

جفرا نيوز - بقلم رمزي الغزوي

للعصا مآرب كثيرة غزيرة مثل الهشِّ على الغنم (اي ضرب الشجرة كي يتساقط ورقها)، أو للتعكز والاتكاء عليها، أو للقتال الخفيف، أو للأفعى والوحوش، وإخافة والكلاب، ولإرهاب الزوجات أحيانا أو الأزواج، ولتأديب الصبيان. هل ثمة مآرب أكثر؟
العصا في العادة لا تمسك من الوسط، لأن مسكها بهذه الطريقة يجعلها عديمة الفائدة، ولا تؤدي غرضها أبداً. لكن بعضاً من المثقفين، أو بالأحرى (المتثاقفين)، يدفعون أعمارهم من أجل تعلم مسك العصا من الوسط، ولهم بذلك مآرب جمة.

يحدث في هذا الزمن المقلوب المثقوب أن تغدو القيعان قمما شاهقة في ليلة وضحاها، أو أن تصبح القمم سهولاً جرداء، في رمشة عين أو أدنى، ويحدث أيضاً، من باب الزراعة الصناعية المسممة المهرمنة، أن تنتج شجرة الخبيث، ثماراً أمقت خبثاً، من أولئك الذين سيتخذون الثعلب رمزهم العالي، والزئبق شعارهم المثالي، والعصا الممسوكة في الوسط صولجانهم الغالي.

المثقف المراوغ، الذي يجيد استخدام العصا، يؤمن أن لكل شيء ما له، وعليه ما عليه ويستطيع في غمضة عين أن ينقلب 180 درجة، إن اقتضت مصلحته ذلك، وهو لا يتسرع في حكمه على الأشياء، بل يتمهل حتى يرى الكفة الراجحة، فيصب فيها، وهو دائم البحث عن مشاجب يعلق عليها فشله، أو فشل الموالين له، والذي تبنى نظريتهم، ودافع عنهم، وبيّض صفحتهم، وجمل صنيعهم. وهذا المتثاقف الخطير، دائم المراهنة على وجود البديل، ويرى أن الزمن لم ينته بعد؛ فِلمَ اليأس؟.

إذا حاول المثقف الزئبق أن يهذب ضميره الشائك قليلاً، فإنه يصبح خياطاً، يفصل المواقف لمن يريدها حسب الطلب وحسب الحالة (المعدنية). ليسير في الركب، ويضع رأسه بين الرؤوس ويقول يا قطاع الرؤوس، ويمنح ولاءه لمن يقبض على زمام الأمور، أو لمن يدفع أكثر، وهو يتقن حياكة كتابته وخطبه ومواقفه، كي تأتي على المقاس تماماً، وقد يصغّر إذا اقتضى الأمر، أو يكبر، أو (يقيِّف)، كلما اقتضت الضرورة.

من الثعلب لربما نحصل على فراء جميل، ومن الزئبق سنصنع ميزان حرارة، ينبئنا إلى كم درجة وصلت حرارة غيظنا، ونحن نقلب بالمتثاقف صاحب العصا من الوسط الذي سيبقى أبد الدهر مفضوحاً للشمس.