رضختْ فرنسا.. انسحاب «كامل» من النيجر و«الفرانكفونية» في خطر؟
جفرا نيوز - بقلم محمد خرّوب
شهران فقط «صمدت» فيهما فرنسا, رافضة قراراً اتخذه انقلابيو النيجر بطرد السفير الفرنسي بعد إطاحتهم الرئيس محمد بازوم.. الفرنسي الهوى والمصالح، مُؤكدة –باريس– على لسان رئيسها ووزيرة خارجيتها ليس فقط أنها لا تعترف بالانقلابيين وليس ثمّة قناة سياسية أو دبلوماسية أو عسكرية تربطها بهم، بل هي حرضت منظمة «إكواس» على التدخل العسكري, معلنة دعمها واستعدادها لتوفير أي غطاء سياسي أو دبلوماسي أو عسكري لها. لكن رياح العاصمة «نيامي» لم تأت كما اشتهت السفينة الفرنسية المصدومة, بعدما امسك الانقلابيون بمفاصل القوة والقرار في الدولة الأفقر في افريقيا بل ربما في العالم. معلنين استعدادهم مواجهة أي تدخل عسكري لإكواس, ووجدوا مساندة من جيرانهم الأعضاء في «اكواس» مثل مالي وبوركينا فاسو، ناهيك عن الدعم الشعبي العارم. ما اسهم من بين أمور أخرى في تقوية موقفهم ومُضيهم قدماً في تحدي فرنسا, التي رفضت سحب سفيرها في العاصمة نيامي, بعد رفع الصفة الدبلوماسية عنه واعتباره شخصاً غير مرغوب فيه. ناهيك عن إلغاء المجلس العسكري الاتفاقيات العسكرية مع فرنسا, مطالبة بمغادرة قواتها وعديدها 1500 جندي البلاد.
ماكرون اعتبر قرارات المجلس العسكري النيّجري وكأنها لم تكن، مؤكداً أنه لا يعترف إلاّ بسلطة الرئيس بازوم وأنه على اتصال يومي به، مُدشِّناً حملة إعلامية ضد الانقلابيين الذين «يُصادرون حرية بازوم ولا يقدمون له إلا المعكرونة والخبز، ما يُعرّض صحته للخطر فضلاً عن انهم يعاملونه وعائلته بفظاظة».
وإذ وجد الرئيس الفرنسي نفسه وبلاده في وضع لا يُحسدان عليه, كمؤشر على تراجع النفوذ الفرنسي في ما دأب المستعمرون الفرنسيون على اعتبارها حديقتهم الخلفية, ومصدراً لا يمكن الاستغناء عنه للثروات الطبيعية. سواء ما خصَّ يورانيوم النيجر الذي تحتكرة لإضاءة مدنها وكل فرنسا, فيما «تشتري» النيجر الكهرباء من نيجيريا, أم خصوصاً «منغنيز» الغابون الذي تحتكره الشركة الفرنسية «إراميت", بما هي أكبر منتج لـ"خام المنغنيز» في العالم حيث تحوله إلى سبائك ضرورية لإنتاج الفولاذ الكربوني المستخدم لقطاع البناء والسيارات...فإنه/ماكرون سعى لإعادة بازوم إلى السلطة، عبر تحريض اكواس للتدخل العسكري في النيجر، عازماً اغتنام فرصة تدخل اكواس, للانقضاض على القصر الرئاسي وقتل أو أسر أعضاء المجلس العسكري وتبرير ذلك بأنه جاء تلبية لطلب الرئيس بازوم، لكن رياح النيجر لم تأتِ كما تشتهي سفن قصر الإليزيه, الذي لم يكن قد استفاق من صدمة إنقلابيي مالي وبوركينا فاسو وطرد البلدين القوات الفرنسية فيهما, الأمر الذي اضطره في النهاية إلى الاعتراف بالهزيمة وإن كان في مقابلته المُتلفزة مع احدى المحطات الفرنسية, قد حاول الظهور بمظهر من اتخذ القرار بحِكمة وبُعد نظر, لكنه بدا مُتلعثماً وغير مقنع عندما زعم أنه سيعيد السفير الفرنسي في نيامي خلال الساعات المقبلة, وأن القوات الفرنسية ستبدأ الانسحاب لينتهي مع نهاية العام الجاري, لـ"أن الانقلابيين لا يريدون محاربة الارهاب» (وكذا), فيما توعّد بأن فرنسا (ستنتهج نهجاً جديداً في التعامل مع الدول الافريقية في المستقبل, وبعد تأكّد باريس أن هذه الدول «جادة» في محاربة الإرهاب).
حكاية محاربة الإرهاب التي أسّطّرتها الدول الغربية ووظّفتها لمواصلة هيمنتها ونهبها ثروات الشعوب الافريقية, كما تفعل أميركا (وفرنسا وبريطانيا معها) في المنطقة العربية, وبخاصة في سوريا واليمن وليبيا.. لم تعد تنطلي على أحد. وما قاله ماكرون حول هذه المسألة لم يكن سوى ثرثرة وتزيّد, بهدف التغطية أو محاولة صرف الأنظار عن الصفعة المُدوية التي وجّهها انقلابيو النيجر لفرنسا, ولنفوذها المُتراجع حدود التلاشي في القارة السوداء, التي عانت شعوبها وما تزال من ارتكابات وجرائم المُستعمِرين الغربيين مثل: فرنسا وبريطانيا والمانيا وبلجيكا والبرتغال وإسبانيا وإيطاليا.. وها هي الولايات المتحدة تدخل على خط «همروجة» محاربة الإرهاب، حيث ما تزال (حتى الآن) تتوفّر على قاعدتين عسكريتين في النيجر, بعد أن سمح لها الانقلابيون بالبقاء. خاصة بعد مسارعة فيكتوريا نولاند/ نائبة وزير الخارجية الأميركية إلى نيامي, حيث التقت بالقادة العسكريين وخرجت تقول: إن «محادثاتها معهم كانت في غاية الصراحة، واتسمت أحياناً بالصعوبة».. فيما واصلت واشنطن على لسان وزير خارجيتها/بلينكن وطاقم وزارته التأكيد على «أهمية الحلول الدبلوماسية لأزمة النيجر", دون أن تصِف ما حدث في النيجر بأنه.."انقلاب».
* استدراك:
سلسلة الهزائم السياسية والدبلوماسية وتراجع الدور الفرنسي في إفريقيا, فضلاً عن توتر علاقاتها مع دول أوروبية وآسيوية عديدة ومنها مَن ينتظم في ما توصف بـ"المنظمة الدولية للناطقين بالفرنسية", كمنظمة دولية للدول والحكومات الناطقة باللغة الفرنسية. مرشحة للتصدع وربما إنسحاب عدد وازن من عضويتها وبخاصة الدول الإفريقية, الأمر الذي قد يأخذها إلى الحال البائسة التي عليها الآن مجموعة «دول الكومنويلث", علماً أن كلمة فرانكوفوني.. تعني ناطق بالفرنسية «وفق ويكيبيديا».