الملك يُحاجج العالم

جفرا نيوز - بقلم عوني الداوود

بكل ما أوتي من حكمة وحنكة واحترام واقتدار، خاطب جلالة الملك عبدالله الثاني من على منبر الأمم المتحدة في اجتماعاتها الـ78 وفي دقائق لم تزد على العشر، مستخدما قوة النبرة والنظرة ولغة الوجه والجسد لإيصال رسائل مباشرة الى كل دول العالم الحاضرة والغائبة عن هذا المحفل الدولي المهم، وبلغة خطاب اعتدنا جديدها وتجديدها في كل مرّة، حتى ولو لم تكن القضايا جديدة، كالقضية الفلسطينية واللاجئين والتغير المناخي فهي قضايا مستمرة، لكنّ احداثها متغيرة، مما يستوجب دائما من جلالته تجديد الخطاب المناسب في الوقت المناسب..مع التركيز على مخاطبة الضمير الانساني العالمي، والتحذير من مخاطر عدم الانتباه لضرورة ايجاد حلول للقضايا العاجلة والساخنة التي تحدّث عنها جلالة الملك عبدالله الثاني.

خطاب جلالة الملك الجامع احتوى على محاور (مركزّة) يمكن تقسيمها الى ثلاثة أقسام (مترابطة بصورة أو بأخرى) ولها انعكاسات على (الشأن: المحلي والاقليمي والدولي )..وهي:

أولا - محلياً (اللجوء السوري):

- تشكل قضية اللجوء السوري تحديدا، تحديات ذات أبعاد سياسية واقتصادية وأمنية واجتماعية على الاردن، ورغم ذلك فقد بدأ جلالة الملك خطابه بالتأكيد على أن «اللاجئين هم إخوتنا وأخواتنا»، لكنّ وكالات الامم المتحدة المعنية اليوم تقول إنها مضطرة لقطع المساعدات جراء النقص الحاد في التمويل الدولي.

- جلالته يحذّر في هذا الشأن من أن أُسر اللاجئين الذين يشكلون ثلث سكان الأردن (من جميع الجنسيات) ستجد نفسها مجبرة على إرسال أطفالها الى العمل بدلاً من الدراسة.  

- الملك أشار الى أن اللاجئين السوريين اليوم (1.4 مليون) وليس (1.3مليون) بسبب أن جيلا جديدا قد ولد في الاردن (230 الف طفل سوري ولدوا في الاردن منذ عام 2011) وأن نصف اللاجئين السوريين تحت 18 عاما.

- جلالة الملك كان واضحاً في موقف الأردن الواضح من قضية اللجوء السوري حين قال: «نحن الأردنيين نبذل كل ما بوسعنا لتأمين حياة كريمة للاجئين، لكن مسؤولية التعامل مع اللاجئين ما زالت تقع على عاتق الجميع».

- كذلك كان جلالته واضحاً بالتأكيد على أن مستقبل اللاجئين السوريين في بلدهم، مؤكدا الملك في ذات الوقت (أننا سنحمي بلدنا من أية تهديدات مستقبلية جراء هذه الأزمة تمس أمننا الوطني).  

ثانيا - إقليمياً (القضية الفلسطينية):

- موقف الأردن الثابت مستمر في دعم القضية الفلسطينية وبكل قوة، منوّهاً جلالته لاستمرار نيران الصراع مشتعلة بعد مرور سبعة عقود ونصف على الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، مشيراً لوجود خمسة ملايين فلسطيني تحت الاحتلال بلا حقوق مدنية ولا حرية في التنقل ولا قرار لهم في إدارة شؤون حياتهم.

- جلالته أكد أيضاً على حل الدولتين «كسبيل وحيد نحو السلام الشامل والدائم»، وعلى الوصاية الهاشمية على المقدسات الاسلامية والمسيحية.

- كان لافتاً جداً التأكيد على الحاجة الطارئة للتمويل المستدام لوكالة الامم المتحدة لاغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) والتحذير من أن (بديل) عدم حماية الشباب الفلسطينيين من المتطرفين الذين يستغلون احباطهم ويأسهم وذلك عبر ضمان استمرار انخراطهم في المدارس التي ترفع راية الامم المتحدة، (البديل) سيكون رايات الارهاب والكراهية والتطرف.

ثالثا - دولياً (التغير المناخي):  

- بالأرقام خاطب الملك العالم مشيراً الى وجود أكثر من 345 مليون شخص حول العالم يواجهون انعدام الأمن الغذائي أو الجوع بشكل يومي.

- جلالته أشار الى ضحايا النزاعات والتهجير والجوع والكوارث التي يسببها التغير المناخي.

- ربط جلالة الملك في كلمته قضية التغير المناخي العالمية بآثارها المحلية.. فالأردن أحد أكثر الدول شحًّا في المياه في العالم، وهو يواجه طلباً متزايداً بمستويات غير عادية على هذا المورد الثمين.

باختصار: خطاب جديد ومتجدد لجلالة الملك وهو يحتاج الى قراءة معمّقة في أبعاده (السياسية والاقتصادية والأمنية في القضايا التي تناولها جلالته وانعكاساتها على الأردن)، طرح خلاله أسئلة وتساؤلات اعتاد جلالته أن يعتمد طرح أسئلة على المجتمع الدولي لا تحتاج إلى (إجابات) بل إلى (استجابات) للقيام بدوره، لأن العالم - كما قال جلالته - لا يملك ترف التهرب من مسؤوليته ليترك خلفه جيلاً ضائعاً.