حالات «الطلاق» تتصاعد داخل الأحزاب
جفرا نيوز - بقلم حسين الرواشدة
هل ستشهد الأحزاب مزيداً من الاستقالات في المرحلة القادمة؟ أتوقع ذلك، امتداد ظاهرة عدم الرضا والاقتناع داخل الأحزاب، لا سيما الجديدة، تبدو مفهومة لاعتبارات عديدة، منها هشاشة الأرضية الحزبية، وعدم نضوج التجربة، ومنها الدوران حول الأشخاص والأشياء، على حساب الأفكار والبرامج، او، إن شئت، الاستغراق في الذاتي وتهميش الموضوعي والعام، ومنها اصطدام التوقعات والرغبات مع الواقع، بما يحكم هذا الواقع من امكانيات، ومناخات سياسية واجتماعية واقتصادية.
«فزعة» تشكيل الأحزاب، خلال عام تقريبا، فوّتت فرصة ولادة الحزبية، أو حتى صناعتها، بصورة تضمن سلامتها، وعدم تعرضها للتشوهات الخَلْقية، هذا صحيح، لكن الأصح هو أن عملية «الزواج الحزبية» التي تمت بين النخب وبين الفكرة الحزبية، كانت مختلّة من الأساس، بعض هذه النخب لا علاقة لها، أصلا، بالسياسة ولا بالأحزاب، ولا تمتلك أي مواصفات لإقناع الجمهور أو إلهامه بالانضمام للأحزاب، وفي إطار الصراع بين نخب من هذا النوع، وعلى زواج سياسي هدفه الحصول على الغنائم والمتعة فقط، اصبح من المتوقع أن تتصاعد حالات الطلاق، والاستقالة، وتتوسع التصدعات الداخلية أيضا.
صحيح، استطاع نحو 27 حزبا أن يحصل على رخصة بناء حزب، وفق قانون الأحزاب الجديد، لكنّ قليلا من هذه الأحزاب من تمكن من «تأثيث» حزبه سياسيا، «التأثيث « هنا ينصرف إلى مسارات مادية ومعنوية معا، أهمها الانسجام والثقة والقناعات المتبادلة، وبروز الفكرة الجامعة، والمشروع العابر للمصالح الشخصية ولصدام وجهات النظر، ثم وجود « القوامة»، أقصد القيادة على أساس مؤسسي، لا على أساس فرض الأوامر والوصايات، غياب هذا «التأثيث « حوّل بعض الأحزاب إلى بيوت مهجورة، أو أخرى مأهولة وجذّابة، لكنها مقفرة من الداخل، او تضجّ بالصراعات والانقسامات.
الأخطر من حالات الاستقالة المعلنة التي تشهدها الأحزاب، هو الاستقالات الصامتة، التي حوّلت العديد من القيادات، و المئات من الأعضاء، إلى مجرد أسماء وأرقام في قوائم الأحزاب، هؤلاء انسحبوا، او عطّلوا فاعليتهم، جراء إحساس عام بالإقصاء، أو الحرد، أو عدم تطابق حسابات الحقل لديهم مع حسابات البيدر، هذا الفراغ الذي تعاني من بعض الأحزاب، أفرز كتلة صغيرة أصبحت تتحكم بعجلة دوران الحزب، مقابل كتلة كبيرة موجودة تتفرج، ولا علاقة لها بما يجري، ما يعني أن بعض الأحزاب التي لم تتوفر لها، اصلا، حاضنة اجتماعية حتى الآن، أصبحت تفتقد الحاضنة الداخلية، سواء على صعيد القيادات التي استقالت علنا أو بصمت، أو الأعضاء الذين جلسوا على المدرجات، بانتظار أهداف غير ممكنة أصلا.
يتصارع على «حلبة « الأحزاب، في بلدنا، نخبة لا يزيد عددها على 500 شخص، استطاعت أن تقنع اقل من 1% من الأردنيين بالتصفيق سياسيا لها، بينما ما زال آلاف من المثقفين والأكاديميين والسياسيين والإعلاميين والنقابيين.. وغيرهم، عازفين عن الدخول إلى هذه « الحلبة» الحزبية، ربما ينتظرون مناخات سياسية أفضل، أو تجربة حزبية أنضج، أو ضمانات تتناسب مع ما يفكرون به، ويتطلعون لتحقيقه، الأهم، هنا، مسألتان، الأولى تتعلق بإرادة إدارات الدولة وجديتها لانجاح هذا المسار الحزبي، وتمكين تجربته من النضوج بشكل طبيعي، الثانية تتعلق بدور النخب، و صدقية خطابها، وسلوكها السياسي، لإنتاج حالة حزبية مقنعة، قادرة على صناعة «الفرق «، في إطار مشروع وطني، يصبّ في خدمة الأردنيين، ويتناسب مع طموحاتهم المشروعة.