اليوم ... اغتيال ميشيل النمري

جفرا نيوز - بقلم محمد داودية


خلال زيارتي له في بيروت، التي امتدّت أسبوعين في أواخر صيف عام 1974، جال بي ميشيل النمري على الجامعة الأمريكية، وجامعة بيروت العربية، ودار الآداب، ودار العودة، وصحف النهار والأنوار، والسفير، وجُلنا على الروشة ومتحف سرسق، ومتحف بيروت الوطني، وساحة البرج، ومقاهي الهورس شو وكافيه دي باريس والدولشي فيتا وحضرنا مسرحية «آخ يا بلدنا» للكوميديان حسن علاء الدين - شوشو، وهي مسرحية من لون الكوميديا السوداء، التي وصل فيها شوشو إلى ذرى النقد السياسي المباشر.
كان الفتى ميشيل، مقدامًا، جادًّا، مستعجلاً جدًّا، يتحلّى بقدرات تنظيمية كبيرة، كان مِن أسرع مَن عرفتُ في بناء العلاقات، وتحمّل الضغط الشديد، ساهم بديناميته المعهودة في انتخابات رابطة الكتّاب الأردنيين في بداياتها، مع قائمة الجبهة الديمقراطية برئاسة محمود العابدي، التي كان سالم النحاس عرّابها، ومعه أمينة ماجد العدوان، وإبراهيم العبسي، وإبراهيم خليل، وخليل السواحري، ومفيد نحلة، ضد قائمة الحزب الشيوعي بقيادة عبد الرحيم عمر ومحمود شقير ومحمد سعيد مضية وفخري قعوار ومؤيد العتيلي ومحمد خروب وأحمد جرادات. فاز عام 1975 من قائمة الجبهة الديمقراطية في انتخابات الهيئة الإدارية الثانية، ثمانيةُ أعضاء من أصل أحد عشر عضواً، كان ميشيل أحدهم، ولاحقاً فزتُ في 4 انتخابات لعضوية الهيئة الإدارية لهذه الرابطة، التي كانت قلعةً من قلاع مواجهة الأحكام العرفية.
لقد اكتمل بدرُ هذا الفتى، الذي حمل بجسارةٍ وعزمٍ، رايةَ الحريات العامة الديمقراطية في الوطن العربي، دون أن يُصغي للوعيد أو يكترث للتهديد، فضح تنكيل الأنظمة العسكرية الشمولية العربية بشعوبها في «النشرة» التي أصدرها من قبرص، ثم من أثينا، حيث تربّص به القتلةُ المأجورون، وأردوه على مدخل البناية التي كان يعمل فيها في مثل هذا اليوم سنة 1985.
كان صاحبي عجولاً جداً، ما كان «طير عيشة» كما قالت أمّ رياض، فعاد إلينا شِهاباً ملفوفاً بالعلم الوطني، ولمّا حان موعد مواراته الثرى، صرخت أم رياض: «محمد داودية أخو ميشيل، هو من يُدلّيه في القبر».
ولمّا عملتُ سفيرًا في أثينا، مطلع عام 2005، حاولتُ أن أتتبع خيوطَ جريمة اغتيال ميشيل النمري، فكانت أوراقُها متاهةً لا مثيل لها؛ ولا لإِحكام التضليلِ فيها.