يوم التقينا صدام
جفرا نيوز - بقلم رشاد ابو داود
حين التقيناه لم يكن الرجل مهيباً بمعنى مخيفاً مع أنه حمل لقب «المهيب». ولم يكن فظاً مقطب الجبين بل بادرنا بابتسامة موزونة. وحين بدأ الترحيب بـ «الإخوة الإعلاميين العرب» حدث خلل في الميكروفون فلم يعد صوته مسموعاً. ضحك وقال بعد أن ركض الفنيون و أصلحوا الخلل، «ما تواخذونا حنا لسة من دول العالم الثالث» فضجت القاعة بالضحك.
كان ذلك في النصف الاول من الثمانينات حيث كانت ما سميت حرب الخليج الاولى التي بدأت في ايلول سبتمبر 1980 وتوقفت في 20 آب اغسطس 1988، لا تزال مستعرة والنار تحرق الأخضر والحجر والبشر من كلا الطرفين الجارين المسلمين.
أما «الإخوة الإعلاميين العرب» فكنا وفوداً من الصحف ووسائل الاعلام العربية. وكنت من ضمن الوفد الاعلامي الكويتي ممثلاً لجريدتي آنذاك «الأنباء». وأتذكر أن من ضمن الوفد الزميل الكاتب محمود الريماوي و كنا ننزل في نفس الفندق وما أن نرى بعضنا حتى اليوم حتى يبادر أحدنا بالقول للآخر ضاحكاً «وين الدياي «الدجاج» باللهجة الخليجية، وين المشاريب، وين وين» التي نادى بها أحد أعضاء الوفد الكبير في السن على نادل الفندق. وتلك حكاية أخرى. ومن الوفد الأردني أو رئيسه كان المرحوم عميد «الرأي» محمود الكايد أبو عزمي الذي تعرفت عليه وقتها لأول مرة.
في اليوم المحدد للقاء الرئيس انطلقت بنا سيارات الرئاسة قبل موعد اللقاء بساعتين على الأقل. ودارت بنا دون أن نعرف مكان اللقاء. فالبلد في حالة حرب والاجراءات الأمنية طبيعي أن تكون مشددة خاصة عندما يتعلق الأمر بالرئيس.
تحدث صدام عن الأمة العربية الواحدة والعدو المشترك والبوابة الشرقية للوطن العربي، وعن التصدي لسياسة تصدير الثورة التي انتهجتها الجمهورية الاسلامية الايرانية بزعامة الامام الخميني. كان صدام يتحدث ونحن نصفق بملء عواطفنا العربية. وهذا هو مبدأ الانسان العربي منذ القدم « أنا وأخوي على ابن عمي وأنا و ابن عمي على الغريب «.
لم نكن نعلم وقتها أن أميركا كانت تصب الزيت على نار الحرب بوسائل مباشرة و غير مباشرة. وأنها كانت تنفذ سياسة «الاحتواء المزدوج» لأقوى دولتين في المنطقة، ايران الثورية والعراق القومي العربي. وهما كلاهما خطر على مدللتها وقاعدتها الأهم في المنطقة «اسرائيل «.
ثماني سنوات والنار تلتهم البلدين شعوباً وثروات، حاضراً ومستقبلاً. وهذه الأخيرة «مستقبلاً» هي الأهم وهي ما كانت تهدف اليه أميركا و حلفاؤها. ومن ينظر الى واقع العراق وايران يرى ما نقول. فقد ورطوا صدام باحتلال الكويت الشقيقة العربية بعد انتصاره على ايران ثم استفردوا به واحتلوا العراق وسلموه لايران ثم.. اغتالوه.
نتخيل ماذا لو لم تنشب حرب الثماني سنوات بين الجارين المسلمين وتوحدت ثرواتهما وجهودهما، ولو لم تنجح سياسة «الاحتواء المزدوج» الأميركية ؟!!.