رحيل منير حمارنة
جفرا نيوز - بقلم حمادة فراعنة
لم يكن أردنيا وحسب، و فلسطينيا كفاية، بل حمل هموم شعبه وأمته في وعيه عبر حزبه، وربط مصيرهما بما يجري على خارطة العالم.
واسع التفكير اقتصادياً وسياسياً، لادراكه ان وقائع واحداث ومعاناة شعبه حصيلة نتائج الحدث السياسي اممياً، فالتطور على المشهد السياسي هو حصيلة تفاعل العوامل الوطنية والقومية والاممية وترابطها مع بعضها البعض، ولهذا لم يكن مغامرا على الصعيد الوطني لادراكه الترابط الجوهري بين العوامل الثلاثة .
ولهذا كما كان يقول لقد عانت شعوبنا العربية كافة من نتائج الحرب الباردة على الصعيد الدولي 1990، ونتائج حرب الخليج المتعددة على الصعيد القومي 1991-2003، وتوجت بنتائج الحروب البينية العربية منذ العام 2011، التي دمرت العراق وسوريا وليبيا واليمن، واضعفت البلدان العربية الأخرى، وانعکاس ذلك كله على مسار حركة التحرر العربية، وانحسارها، أمام اندفاع وقوة الهيمنة الأميركية الإسرائيلية، وتسلطهما على منطقتنا العربية، وانجبت التطبيع مع المستعمرة بتلاوينها ومسمياتها المختلفة.
خلاصة تفکير منير حمارنة ورؤيته الواقعية لتطور الأحداث، دفعته بلا تردد لتقديم استقالته من رئاسة حزبه واخلاء موقعه كأمين عام للحزب الشيوعي الأردني، تاركاً لرفاقه الشباب تولي مهام إدارة الحزب لسببين :
أولهما لما يراه من صعوبة قاسية جراء الانحسار، والتراجع الوطني القومي والاممي، وثانيهما رهانه على شباب الحزب، وتشجيعهم لان يواجهوا التحديات والمهام والاولويات، وفك القيود، وإزالة العثرات، من أمام الضرورة والثقة: ان مواصلة النضال هو الخيار العملي الضروري للتغيير نحو خيارالافضل لشعبه، حاملا تراث رفاقه: فؤاد نصار، وفايق وراد ، ويعقوب زيادين، واسحق الخطيب، وعيسى مدانات، وموسى قويدر، وفرج الطميزي، و نضال مضية ، وأورث لشباب الحزب تراثا ومباهاة يفخرون بها أمام شعبهم، وفي مواجهة خصومهم ، أردنياً وعربياً ودولياً.
حينما اخلى موقعه لم يقبل رفاقه ان يكون متقاعدا خارج المهام، ينتظر الرحيل ، ويسكن إلى الهدوء والسكينة، ولذلك تقديرا منهم له، وحاجتهم لقدراته، و معرفتهم أن عطاءه لا ينضب ، لا يتوقف ، طلبوا وألحوا ان يشغل موقعه لدى اللجنة المركزية والمكتب السياسي استفادة من حكمته وخبراته .
لقد قدم نفسه نموذجا ان القيادة ليست حكراً ونفوذا وتفردا ، وهكذا فعلها من بعده فرج الطميزي الامين العام الذي اخلى موقعه أيضا، لصالح قيادة، وامين عام لحزبه، اكثر شبابا وحيوية.
رحيل منير حمارنة، الممسك بالحضور والإبداع السياسي والاقتصادي الوطني ، بعيداً عن الادعاء والاعلام، خسارة للاردنيين كما للفلسطينيين، خسارة نوعية لذوات التفاني، و معايير نكران الذات، والعمل بصمت ويقظة، وزرع بذور وشتلات تثمر مهما بدا الوضع السائد سلبيا : أردنيا وفلسطينيا وعربيا ودوليا، سلبيا وغامضا في ظل تحولات تسير عبر خطوات تراكمية لا يلحظها إلا الذين يثقون أن المستقبل سيكون للذين يعملون ويتفانون ومنير حمارنه احدهم بل كان في طليعتهم.