برنامج جديد مع «النقد الدولي».. لمَ لا؟

جفرا نيوز - بقلم عوني الداوود

بداية لا بد أن نذكّر بأن جميع التصريحات الرسمية من الحكومة الاردنية وكذلك من صندوق النقد الدولي كانت تؤكد دائما على ما يلي:

1 - أن الأردن هو من يطلب أو لا يطلب مشورة النقد الدولي والتفاوض معه.

2 - أن البرنامج تضعه أياد أردنية وطنية دون شروط أو املاءات لا من صندوق النقد الدولي ولا غيره، فالأردن سيّد نفسه في جميع قراراته، وله حق قبول أو رفض أية مشورة تتعلق ببرنامجه (الوطني للاصلاح الاقتصادي).

لكن أهمية وجود برنامج بين الاردن وصندوق النقد الدولي..وأهمية مراجعات الصندوق لوضع الاقتصاد الاردني طوال فترة البرنامج (اجتاز الاردن 6 مراجعات لبرنامج التسهيل الممتد الحالي وبقيت مراجعتان حتى آذار المقبل 2024 موعد انتهاء البرنامج مع النقد الدولي).. أهمية البرنامج في هذا التوقيت -تمكين الأردن من الحصول على شهادة دولية من الصندوق تساعده بتحسين تصنيفه الائتماني لدى كبريات وكالات التصنيف العالمية..وكلا الأمرين يساعدان الاردن بالحصول على قروض بأسعار فائدة أفضل (في وقت ترتفع فيه أسعار الفائدة نتيجة للتضخم العالمي) وفترة سداد على مدى سنوات أطول، الامر الذي يساعد بتغطية عجز الموازنة المزمن.. حتى وان كانت القروض بالتأكيد ستزيد من حجم المديونية.

هذا باختصار هو الإطار العام لهذه القضية قبل الدخول بأية تفاصيل.. والتي منها التذكير بأن الوقت الحالي لم يترك خيارات الحصول على قروض أو مساعدات كما في السابق خصوصا بعد الحرب الروسية الاوكرانية التي اندلعت قبل عام ونصف العام تقريبا ولا تظهر بالأفق القريب بوادر انتهائها، والتي أعادت -ولا زالت تعيد- ترتيب أولويات جميع الدول، ليس فقط بالمساعدات والقروض بل حتى بالاستيراد والتصدير، خصوصا مع استمرار تقطع سلاسل التوريد بين حين وآخر وزيادة أهمية الاعتماد على الذات وتحديدا بما يتعلق بالأمن الغذائي وأمن الطاقة.

أعود لموضوع «الوقت الحالي والخيارات المتاحة» لأنوِّه بأن المساعدات الأبرز التي بقيت بل وزادت هي المساعدات الامريكية التي وصلت لحجم 1.45 مليار دولار سنويا وباجمالي 10.2 مليار دولار للسنوات السبع المقبلة (2023 - 2029) أما باقي مساعدات الدول فهي مهمّة لكنها تراجعت (مساعدات دعم اللجوء السوري تحديدا) وبعضها انتهت تقريبا (المنحة الخليجية) ولذلك يطرح الأردن بين حين وآخر «سندات يوربوند» للحصول على احتياجاته لتغطية عجز الموازنة وتلبية احتياجاته التمويلية.. بمعنى أنه لم يعد هناك قروض ومساعدات كما قبل الحرب الروسية الاوكرانية أوحتى قبل جائحة كورونا.. مع الاستدراك الضروري بأن الخيار المطروح للحصول على أموال هو جذب الاستثمارات وتحديدا للمشاريع الاقليمية والكبرى (مثال: الناقل الوطني ومشاريع الطاقة النظيفة والمتجددة والهيدروجين الاخضر والمناخ والربط الكهربائي الاقليمي..الخ) وهذه توجهات عالمية واقليمية وتتنافس دول الاقليم والعالم على اقامة مثل هذه المشاريع الكبرى وجذب الاستثمارات اليها.

في المقابل علينا أن نتذكّر بأن الاردن اليوم لديه رؤى اصلاحية، وتحديدا رؤية «التحديث الاقتصادي»، روّج لها في كافة المحافل الدولية وحظيت باهتمام دول ومنظمات تمويل عالمية وتمّ بناء على قناعات بمبادراتها دعم الاردن، وينطبق هذا تحديدا على مذكرة المساعدات الامريكية للاردن.. وكذلك مراجعات صندوق النقد الدولي للاقتصاد الاردني، ويمكن العودة لتصريحات مسؤولين أمريكيين، كان آخرها تصريحات وزيرة الخزانة الامريكية جانت يلن خلال لقائها في واشنطن تموز الماضي الوفد الوزاري الأردني برئاسة وزير المالية د.محمد العسعس وعضوية وزيرة التخطيط والتعاون الدولي زينة طوقان ومحافظ البنك المركزي د.عادل الشركس، وكذلك تصريحات جميع ممثلي المنظمات الدولية الذين شاركوا مؤخرا بملتقى «عام على التحديث» الذي نظمته الحكومة في البحر الميت قبل أيام وتحديدا تصريحات رئيسة الخبراء الاقتصاديين لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في البنك الدولي روبيرتا غاتيالى، والتي أشادت فيها بأن «الأردن هي الدولة الوحيدة في المنطقة التي استطاعت مواجهة الأزمات تباعا، بقدرة عالية، وإدارة جيدة».

الأردن اليوم لديه رؤية تحديث اقتصادي، ولديه مؤشرات اقتصادية ناجحة، ولديه سياستان مالية ونقدية ناجحتان بشهادات اقليمية ودولية، وهو يسير على مسار التصحيح الاقتصادي بخطى ثابتة.. وفي المقابل لديه مشاكل في المديونية وعجز الموازنة وارتفاع نسب البطالة وعجز الميزان التجاري..ولكن لديه «رؤية» تساهم بمواجهة تلك التحديات وصولا لمعدلات نمو تزيد على 5.5 % وخلق مليون وظيفة وتمويل يصل الى41 مليار دينار حتى 2033، وكل تلك الركائز تمكّنه من وضع برنامج جديد مع صندوق النقد الدولي وبأيد أردنية أيضا، وبما يسير بالتوازي مع مبادرات رؤية التحديث الاقتصادي والاداري، وصولا الى الهدف المنشود وهو «حياة أفضل للمواطنين».