طفولة الرسول صلى الله عليه وسلم وكفالة جده
جفرا نيوز - نشأ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يتيماً، فقد مات أبوه عبد الله بن عبد المطِّلب في يثرب وهو جنينٌ في بطن أمِّه ولم تضعه بعد، وكان مولِده في عام الفيل في الثَّاني عشر من شهر ربيع الأوَّل، في مكَّة المكرَّمة،[١] ولمَّا ولد يتيم الأب احتضنه جدُّه عبد المطلب وتكفَّل برعايته، وكان يحبُّه حبَّاً جمّاً ويُفضِّله على سائر أحفاده، وكان يُجلسه مجالس الرِّجال ويصطحبه أينما ذهب، وكان لجدِّه فراشٌ خاصٌ به في ظلِّ الكعبة يُمنع لأحدٍ الجلوس فيه إلامحمد وهو طفلٌ فقد كان يجليه فيه لشدَّة حبه له.[٢] رضاعه في بني سعد أرضعت السيِّدة آمنة بنت وهب ابنها محمّداً أيّاماً معدودة، ثمَّ أرضعته جاريةٌ يقال لها ثويبة مع عمِّه حمزة بن عبد المطلب، وبعد ذلك أُرسل إلى بني سعد لتكون مرضعته حليمة السَّعدية، وقد حلَّت بركة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- فور قدومه على حليمة وعلى مضارب بني سعد، فأكثر الله -تعالى- من رزقهم وازداد إدرار حيوانتهم ومواشيهم وكانوا يمرُّون بجدبٍ شديدٍ قبل قدومه عليهم.[١]
ولمَّا أتمَّ العامين عند حليمة عادت به حيث أهله في مكَّة، وكانت مكَّة آنذاك قد انتشر فيها وباءٌ، فخافت عليه حليمة وأرجعته معها عامين آخرين، وكان معه أطفالٌ يرضعون عند حليمة، فأصبحوا بذلك إخوة النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- من الرِّضاعة، منهم: عبد الله بن الحارث، والشَّيماء.[١] وفاة والدته وجده بلغ نبيُّ الله من العمر ستَّ سنواتٍ، فأخذته أمُّه آمنة في زيارةٍ إلى المدينة المنوَّرة، ولكنَّها في طريق عودتها مرضت مرضاً شديداً لم يمكِّنها من إكمال مسيرها، ووافتها المنيَّة في مكانٍ يقال له الأبواء بين مكَّة والمدينة، وكان برفقتهم أمُّ أيمن التي احتضنت النَّبيَّ وعادت به إلى مكَّة حيث جدُّه عبد المطلب، ظلَّ محمَّد -صلّى الله عليه وسلّم- في كنف جدِّه ورعايته إلى أن وافته المنيَّة هو الآخر وكان لمحمَّد من العمر ثماني سنواتٍ فقط.[٣]
كفالة عمه أبي طالب له أوصى عبد المطلب في آخر حياته أبناءه بابن أخيهم محمّد، وأوصى أن يكفله ويحتضنه عمُّه أبو طالب؛ لكونه الأخ الشَّقيق لأبيه عبد الله، فأحسن أبو طالب كفالته وأحبَّه حبّاً يفوق حبَّه لأبنائه، وكان يخصُّه بالطَّعام والشَّراب واللِّباس، ويصطحبه مع أينما ارتحل، وكان لا ينام إلَّا في فراشه، كما أنَّ أبا طالب اصطحبه في بداية شبابه إلى كثيرٍ من البلدان وعلَّمه الكثير من شؤون التِّجارة، الأمر الذي أدَّى إلى صقل شخصيَّة النَّبيِّ منذ صغره ووسَّع مداركه.[٢] شباب النبي شبَّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- على يدي عمِّه العطوف، وكان شابّاً يمتاز بخلقه الرَّفيع، وقد كان طيلة شبابه لا يحيد عن الطَّريق الصَّحيح، وإنَّ الله -تعالى- قد أعدَّه منذ صغره ليكون نبيَّ هذه الأمَّة، ومع أنَّه لم يكن مكلفاً بالرِّسالة بعد إلَّا أنَّه لم يرتكب خطأً طيلة فترة شبابه، ولم تتلطَّخ سيرته بأيِّ زلَّةٍ، فلم يجارِ قومه أبداً بشرب خمرٍ ولا بلعب قمارٍ، ولا بطوافٍ حول صنمٍ، ولم يقترف شيئاً من عادات الجاهليَّة الأولى.[٤] وكان شابّاً تعلَّم الاعتماد على نفسه، ولم يجعله دلال ومحبَّة جدِّه وعمِّه له شابّاً غير مسؤولٍ، بل عمل منذ صغره في رعي الغنم، وكان يأخذ أجراً زهيداً من أهل مكَّة مقابل هذا العمل، ولمَّا كبر قليلاً بدأ بالعمل بالتِّجارة، ثمَّ خرج في تجاراتٍ عدَّةٍ للسيِّدة خديجة بنت خويلد.[٤] كانت طفولة النَّبيِّ -صلّى الله عليه وسلّم- زاخرةً بالأحداث، فقد مات أبوه وأمُّه حامل بهِ آنذاك، فكفله جدُّه عبد المطلب، ثمَّ أُرسل إلى ديار بني سعد من أجل الرِّضاعة من حليمة السَّعدية، ولمَّا انتهت مدَّة رضاعه عادت به إلى أمِّه آمنة، وقد توفِّيت عنه وتركته لجدِّه، فأدركه الموت بعدها بعامين، عندئذٍ انتقلت حضانة محمَّد إلى عمِّه أبي طالب الذي أحسن كفالته، وكان محمد يعمل في رعي الغنم ثمَّ في التِّجارة.