التوجيهي دردشة
جفرا نيوز - بقلم إسماعيل الشريف
«رسبت في مواد نجح بها صديقي، اليوم صديقي يعمل مهندسًا في مايكروسوفت، وأنا مالك الشركة»، بيل غيتس.
تذكرني مقولة بيل غيتس السابقة بأبي - رحمه الله - فهو لم يسألني طوال حياته عن علاماتي، ولم يعبر يومًا عن فرح أو غضب إذا نجحت أو رسبت، وفي يوم من الأيام ونحن في قرية «الشيخ زويد» في شمال سيناء، توقفنا عند بقالة بسيطة للغاية؛ حيث كان بها شخصٌ في عمر أبي تقريبًا، يجلس على كرسي متهالك. نزلنا من السيارة وعرّف والدي عن نفسه، وفي تلك اللحظة المؤثرة تعانق الرجلان.. جلسنا معه قليلاً وشربنا زجاجتي «كولا»، وفي طريق العودة، قال لي أبي: «صديقي هذا كان الأول في الصف!»، في تلك اللحظة أدركت لماذا لم يسألني أبي عن علامتي قط.
أقتبس النص التالي المشهور المتداول، حيث كتب مدير مدرسة مرةً رسالةً إلى أولياء الأمور قبيل الامتحانات قائلاً:
أعلم أنكم قلقون على أطفالكم، وترغبون في أن يحصلوا على علامات عالية، وهذا حقكم، ولكن تذكروا جيدًا أن بين الطلاب الذين سيخوضون الامتحانات، هناك فنان ليس بحاجة لفهم الرياضيات، وهناك المقاول الذي لا يهمه التاريخ والأدب، وهناك المؤلف الذي لا يهمه علامة الكيمياء، وهناك الرياضي الذي سيحتاج اللياقة البدنية أكثر من الفيزياء، فإذا حصل ابنكم على أي علامة، فهذا ممتاز، وإذا لم يحصل، فأخبروه بأنكم تحبونه رغم كل شيء، ولا تسلبوا منه ثقته بنفسه، ولا تحكموا عليه بالفشل؛ فإن امتحانا واحدا أو علامة منخفضة ليست مبررًا لقتل المواهب والأحلام، ورجاءً، لا تظنوا بأن الأطباء والمهندسين هم أسعد الناس في هذا العالم.
هذا نص كُتب بماء الذهب.
يُجمع التربويون أن العلامات وحدها لا تعكس قدرات الطالب، فالقدرات متباينة ومتنوعة، فمنها الاجتماعية والرياضية والفنية والإدارية والتسويقية... ومئات القدرات الأخرى، قد تكون بقدر أهمية العلامة أو أهم منها في الحياة العملية. لذا، تجد أن كبريات الشركات في العالم -وعلى رأسها جوجل- لا تهتم بالعلامات، وإنما تتركز اختباراتها على القدرات الاجتماعية والمهارات.
كل منا لديه مجال يبدع فيه، عبقرية الآباء والمؤسسات التعليمية هي أن يكتشفوا هذا الإبداع، ينمونه ويصقلونه ويطورونه. ومن المهم أن نعطي دائمًا الثقة لأبنائنا ونؤمن بهم. من منا لم يسمع بـ»توماس إديسون»، مخترع المصباح الكهربي؟ أرسلت مَدرسته رسالة إلى أمه فقرأتها وذرفت الدموع، سألها: ماذا تقول الرسالة؟ أجابت: مدرستك تقول لي إنك عبقري وقدراتك لا تناسب المدرسة ومن الآن فصاعدًا ستدرس في البيت.
بعد وفاتها، كان يفتش في أغراضها، فوجد الرسالة التي جاءتها من المدرسة وقد كُتب فيها: «ابنك غبي، ولن يستطيع الاستمرار في المدرسة»، عرف إديسون لماذا بكت أمه آنذاك.
لو سألتني: ما هو أهم درس تعلمته في هذه الحياة، سأقول بلسان واحد: هو أن التوفيق بيد الله سبحانه وتعالى. كم من دكتور أو مهندسٍ تخرجوا في أهم الجامعات وفشلوا في حياتهم! وكم من إنسان خرج من تحت التراب ونجح! وكم من شخص ورّث أولاده الملايين وضاعت الثروة! وكم من شخص ورّثه والده الديون وأصبح غنيًّا. في هذه الحياة، كل شيء بيد الله، فالقاعدة هي «اعقل وتوكل».
لا أقلل أبدًا من قيمة التفوق الدراسي، ويحق للأهل والطلاب الاحتفال به، ولكن رجائي ألا يقيّموا أولادهم من هذه الزاوية فقط، وألا يدفنوا أولادهم في الحياة.
برأيي المتواضع، الشهادة هي المفتاح الذي يفتح الأبواب، ولكنها لا تشكل أي ضمان لاستمرار النجاح، خاصةً في عصر الذكاء الاصطناعي!