‎التغير المناخي والتخطيط الإستراتيجي

جفرا نيوز-  الدكتور عادل محمد القطاونة

‎قبل أشهر قليلة صدر تقرير حالة المناخ العالمي والذي أعتبر أن قضية التغير المناخي تعتبر من أكثر القضايا حساسية وتعقيداً بالنسبة لجميع دول العالم، وأنه آن الآوان أكثر من أي وقت سابق لأن يعطى هذا الموضوع أولوية في النقاشات والحوارات! وفي هذا الصدد قال السيد غوتيريش الأمين العام للأمم المتحدة "لدينا الأدوات والمعرفة والحلول لمعالجة التغير المناخي، لكن يجب أن نسرع الوتيرة وعلى الجميع أن يتحمل مسؤليته تجاه هذا الموضوع"، حيث دعا فيها إلى تسريع العمل المناخي وتخفيض أعمق وأسرع للإنبعاثات للحد من إرتفاع درجة الحرارة العالمية إلى 1.5 درجة مئوية، بما يتماشى مع إتفاق باريس للمناخ!

‎على الرغم من أن التغير المناخي أمر معقد حيث يُعرف المناخ على أنه متوسط حالة الطقس، وعلى الرغم من أن الطقس والمناخ يشيران إلى ظروف الغلاف الجوي إلا أن الإطار الزمني لكل منهما يختلف عن الآخر. فالطقس يصف الظروف الجوية في مكان محدد على المدى القصير– إي أن كان يوم الاثنين المقبل سيكون حاراً ومشمساً في عمان أو ممطراً في لندن، أما المناخ فهو يتعلق بالظروف الجوية على مدى أطول – عقود أو قرون: فربما يكون الطقس في عمان مثل نظيره في لندن في يوم ما، لكن مناخ المدينتين مختلف جداً: فعمان تقع في الأردن ومناخها حار وجاف صيفاً ولطيف ورطب شتاءَ، بينما تقع لندن في مناخ بارد ورطب وماطر، وفي هذا المضمار قالت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية إن تغير المناخ استمر في التقدم في عام 2023، فيما تواصلت تأثيراته الخطيرة على السكان في جميع أنحاء العالم من خلال الظواهر الجوية والمناخية المتطرفة، وفي تقرير رئيسي صدر مؤخراً عن حالة المناخ العالمي، قالت المنظمة أن موجات الجفاف والفيضانات وموجات الحر أثرت على المجتمعات في جميع القارات ووصلت تكلفتها إلى مئات مليارات الدولارات، هذا بالإضافة إلى انخفاض الجليد البحري في القطب الجنوبي إلى أدنى مستوى له على الإطلاق، فيما حطمت وتيرة ذوبان بعض الأنهار الجليدية الأوروبية السجلات، كما أظهر التقرير أن العالم شهد بين عامي 2015 و2022 الأعوام الثمانية الأكثر دفئاً على الإطلاق، على الرغم من التأثير المبرد لظاهرة النينيا على مدى السنوات الثلاث الماضية، كما وحذرت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية أنه من ممكن لذوبان الأنهار الجليدية وارتفاع مستوى سطح البحر - الذي وصل مجدداً إلى مستويات قياسية عام 2022 – أن يستمر لآلاف السنين.

‎بينما تستمر إنبعاثات غازات الاحتباس الحراري في الإرتفاع ويستمر المناخ في التغير، لا يزال السكان في جميع أنحاء العالم يتأثرون بشكل خطير بالظواهر الجوية والمناخية المتطرفة، على سبيل المثال عام 2022 أثر الجفاف المستمر في شرق أفريقيا، وهطول الأمطار المحطم للأرقام القياسية في باكستان، وموجات الحر التي حطمت الرقم القياسي في الصين وأوروبا، على عشرات الملايين من البشر، وأدى إلى إنعدام الأمن الغذائي، وعزز الهجرة الجماعية، وأدى إلى خسائر وأضرار بمليارات الدولارات، وكان آخر هذه الظواهر إرتفاع حرارة البحر الأبيض المتوسط إلى مستويات غير مسبوقة في وقت قياسي بلغت 28.7 درجة مئوية نتيجة حرارة الصيف الحارقة، وارتفعت درجة حرارة البحر الأبيض المتوسط بين عامَي 1985 و2006 ثلاث مرات أسرع من المعدل العالمي للمحيطات، ليصبح أسرع البحار إحترارا على هذا الكوكب، وأدى تغيّر المناخ إلى ارتفاع درجات حرارة الهواء في البحر الأبيض المتوسط، ما رفع درجة حرارة سطح المياه وتبخرها، كما لم تعد مياه المحيط الأطلسي تتدفق بكميات كافية إلى البحر، وانخفض تدفق الأنهار بسبب الجفاف وإقامة السدود، ما أسهم في جعل البحار أكثر ملوحة وسخونة.

‎إن تدهور إقتصاديات العديد من دول العالم، تهديد الإنتاجية الزراعية، إرتفاع أسعار الغذاء، تغير شكل الخريطة السياحية، إختلال النظام الصحي، تغير حالة الطقس، إرتفاع درجة حرارة البحار كلها ناتجة عن التغير المناخي، مما يستوجب من جميع الدول ومن بينها الأردن أن تأخذ بعين الاعتبار هذا التغير في تخطيطها الإستراتيجي ، وعلى الرغم من مشاركة الأردن في كثير من الاتفاقيات الدولية بهدف التكيف والحد من آثار التغير المناخي في الأردن والعالم، حيث يعتبر الأردن من أشد الدول المعرضة للجفاف بسبب التغير المناخي وفق تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ التابعة للأمم المتحدة الصادر عام 2021 كما وأطلق الأردن 86 مشروع نمو أخضر لحماية البيئة بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وذلك في إطار الجهود التي تبذلها الدولة لمواجهة التغيرات المناخية، عبر حزمة من القوانين الأساسية والمساندة والأنظمة والتعليمات، الى أن هنالك حاجة ماسة لربط جميع هذه المشاريع في بعد إستراتيجي يكفل دقة المدخلات وموضوعية المعالجات وجودة المخرجات وصولاً لأردن أخضر من خلال زيادة الغطاء الحرجي عبر زرع أكثر من 50 مليون شجرة خلال السنوات القليلة القادمة، ووقف المد العمراني والسكني، وزيادة عدد المتنزهات والحدائق، ومتابعة الانبعاثات التي تصدر عن بعض الشركات الصناعية، ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة الهادفة لاستثمار رؤوس الأموال الصغيرة للإستثمار في المحافظات!