ابو غيث .. الدولة حين تحصي رجالها
جفرا نيوز - ليس غريبا عن دوائر صنع القرار في الاردن ، فقد فتح عينيه في بيت سياسي عريق كان فيه "عاكف الفايز" يتحرك في الاتجاهات كلها ، وكبر فيصل الفايز وفي ذهنه الحكمة التي تقول"من شابه اباه ما ظلم".ورغم انه غادر مكتبه في الدوار الرابع ، الا ان دولة الرئيس فيصل الفايز ظل حاضرا في المشهد السياسي الاردني الراهن ، وقادرا على قراءة اتجاهات الريح.
تسلم مفاتيح دار رئاسة الوزراء ، بعد ان قضى فترة من الزمن في الديوان الملكي ، قريبا من صانع القرار ، لذلك كانت إقامته في الدوار الرابع مريحة ، لانه كان يعرف جيدا ماذا يريد.
ابو غيث ، ربما هو اكثر مسؤول يتذكره قادة الحركة الاسلامية ، حين كانت ابواب مكتبه مفتوحة على مصراعيها امامهم ، وحين كان يذهب بنفسه الى بيوتهم ، في اول مسابقة يرسيها مسؤول كبير في الحكومة ، للحوار حول مصلحة الوطن .
في عهد رئاسته ، صار لدينا وزارة للتنمية السياسية ، قد اعتقد دولة فيصل الفايز انه بهذه المبادرة ، يعطي الاحزاب السياسية بعض حقها ، ويجعل منها شريكا في صناعة القرار السياسي لكن الحكومات اللاحقة حولت وزارة التنمية السياسية من مطلب شعبي الى مكاتب لا يزورها احد.
هاتف ابي غيث ، كما هي ابواب مكتبه ، لا تغلق في وجه احد ، وقد عرف مبكرا اهمية الصحافة والصحفيين ، فكانت علاقته مميزة مع السلطة الرابعة ، واستمرت هذه العلاقة ، حتى بعد مغادرته كرسي المسؤولية ، في حين ظل يشكل مرجعية اخلاقية لكل الذين تعرفوا اليه ، وراهنوا على برنامج حكومته.
تسلم مهام منصبه رئيسا للوزراء في فترة اردنية حرجة ، حين عصفت بها رياح الاحتلال على العراق الشقيق ، وصار على ابي غيث ان يتعامل مع مستجدات سياسية ، لم تكن تخطر على باله في سابق الايام ، في حين لم تكن الامور في فلسطين هادئة تماما ، وكان على حكومته ان تحافظ على توازنها وسط بحر من الحرائق والحروب.
لا تناقض ابدا بين انتمائه لواحدة من اكبر عشائر الاردن ، والتزامه بقانونها العشائري ، وبين وجوده على رأس السلطة التنفيذية ، او في مواقع الحكم المتقدمة ، فرجل بمواصفات ابي غيث كان قادرا على المزاوجة ، وقادرا على بناء علاقات من طراز خاص مع مختلف الاطراف والشرائح ، وفي عهد حكومته الاولى شهدت العلاقة بين الدوار الرابع واحزاب المعارضة تطورا ملحوظا ، اذ كان فيصل الفايز يصيخ السمع دائما للرأي الاخر ، لان الديمقراطية لا يتم بناؤها الا بتلاقح الافكار وتشابك الرؤى المختلفة.
هادئ عندما يتطلب الامر هدوءا ، وحازم عندما يعتقد ان الموضوع يتعلق بثوابت الوطن وحقوق المواطن ، ومستمع جيد لمحاوريه ، وقادر على قراءة ما بين السطور ، ولعل عمله في الديوان الملكي ، رئيسا ووزيرا للبلاط ، منحه القدرة على التفريق بين الابتسامات ، والتفريق ايضا بين انواع الحديث المعلن والخفي.
ابو غيث ، الذي شغل موقعه في نادي رؤساء الوزارات ، يملك العديد من خطوط الاتصال ، داخل الاردن وخارجه ، وتميزت علاقاته بدول الجوار بشكل خاص ، ودول الاقليم بشكل عام ، بالهدوء والايجابية والتفاعل المشترك ، حتى صارت علاقات فيصل الفايز جزءا من سياسة الحكومة في عقلانيتها المنشودة.
الذين يعرفون الرجل عن قرب ، يعرفون جيدا انه ترك مساحة واسعة من وقته للحوار مع المعارضة خاصة الحركة الاسلامية ، لاعتقاده انها تمثل شريحة واسعة من الشارع الاردني ، ولانها من جهة اخرى نشأت وترعرت تحت عباءة الحكومات المتعاقبة ، لذلك لابد من الاستفادة منها في كل المواقع.
عندما يتم احصاء اسماء رؤساء الحكومات في الاردن ، سيأخذ اسم دولة فيصل الفايز حيزا واضحا في الوثائق الرسمية ، رغم ان الرجل ما زال عامرا بالنشاط والحيوية ، ويملك من الخطوط ما يؤهله لتأكيد وجوده السياسي والاخلاقي في اكثر من مكان.
استطاع ابو غيث بناء علاقات ايجابية مع بسطاء الناس الذين كانوا مهمشين في حسابات المسؤولين الاخرين ، لذلك فانه يعرف الطريق جيدا الى الغور ، كما يعرفها الى قرى الكرك والطفيلة ومعان ، ويعرف معاناة ابنائها جيدا ، فهو ابن هذا الوطن الذي يتسع صدره لمشاكل الجميع ، ولا يدخر جهدا في حل ما يستطيع الى ذلك سبيلا.