هندسة البيان الختامي لـ"قمة العلمين" .. إحياء معسكر السلام العربي والزعماء يتبادلون “التفويضات”
جفرا نيوز - لا ينطلق الحرص على "تذكير الجميع” بـ”المبادرة العربية” في نص البيان الختامي لقمة العلمين الثلاثية على "جملة اعتراضية دبلوماسية” مقصودة فقط بقدر ما ينسجم مع احتياجات الأطراف الثلاثة مرحليا، بالدرجة الأولى.
كما ينسجم ثانيا، مع متطلباتها الوقائية في وقت يتصدر فيه الحديث عن ضغط أمريكي لمفاوضات إسرائيلية سعودية.
على نحو أو آخر بات مرصودا بأن التمسك مجددا بـ”المبادرة العربية” التي يرفضها اليمين الإسرائيلي علنا وسرا هو حلقة ضمن تصور إستراتيجي ثلاثي هذه المرة نشطت به وعبره الدبلوماسية الأردنية، بعدما لاحظت أوساط القرار السياسي في عمان عموما بأن مساحة الهموم المشتركة توسعت بين عمان ورام الله.
قمة اللقاء الثلاثي في مصر كانت مطلوبة بحد ذاتها تأسيسا لإطار تحدث عنه جلالة الملك عبد الله الثاني مباشرة عندما استقبل الرئيس الفلسطيني محمود عباس وهو يركز على "عودة التضامن العربي مع حقوق الشعب الفلسطيني” مما دفع اللقاء الثلاثي المصري إلى زوايا "إجرائية” هذه المرة لم تعلن بالبيان الختامي أهمها "استئناف اجتماعات خلايا الأمن الثلاثية” ثم
عودة خلايا الأزمة في المنظومات الأمنية للاجتماع لاحقا بلقاءات خاصة قد لا تعلن.
كما أن دولة الإمارات يمكن القول إنها كانت "الحاضر الغائب” لأن الحديث في التفاصيل الأمنية والسياسية والدبلوماسية عن "رباعية عربية” تسعى لـ”توحيد” ليس المواقف فقط بل "المطالب” المحددة في مواجهة الإدارة الأمريكية التي ينظر لها على الأقل الرئيس عباس بأنها الطرف الوحيد "الفاعل” الذي يمكنه أن يؤثر على مجريات القرار الإسرائيلي.
وهنا برز الإطار الفلسطيني – الأردني أولا من خلال استقبال عباس في عمان قبل عدة أيام ومباشرة بعد "زيارة غريبة وسريعة” لرئيس الإمارات الشيخ محمد بن زايد حيث ينظر لأبو ظبي عموما بأنها "طرف ممول ومؤثر في مسارين هما اليمين الإسرائيلي وبعض أجنحة حركة فتح”.
وغير بعيد عن إطار البيان الختامي للقاء العلمين المصري وفي عمق النقاشات بصورة مرجحة جدا الحرص على "بقاء وصمود” هيكل السلطة الفلسطينية والوقاية من "تفسخ محتمل” تحذر منه كل التقارير الأمنية في "بنية حركة فتح” والاحتراز من تأثير مشاريع نشطة في الشتات عنوانها العريض "إعادة بناء منظمة التحرير” على أسس جديدة.
وغير بعيد أيضا الاحتياط عند نقطة تلاق ثلاثية لا بل تشمل السياق الرباعي عنوانها "الحد من فرص سيناريو الأخ الأكبر” الذي تتبناه القوة الفاعلة في حركة حماس تحديدا في حال بروز مؤشرات ما يسميه الملك بـ”انهيار الوضع القانوني” أو نظريات "الفراغ” في الأراضي المحتلة لعام 1967 .
ومن الأولويات التي لا يمكن إسقاطها من الحسابات تلك التي تمأسست بناء على طلب ملح من الرئيس عباس وعنوانها العمل على "بديل موضوعي ومقنع” عن الشعار المرحلي الذي تطرحه اليوم قوى أساسية في الفصائل وحركة فتح معا في سياق مناقشات "المصالحة” والمتمثل في "إعلان نهاية مرحلة أوسلو”.
عمان "مهتمة جدا” بان لا تستسلم مفاصل المنظمات الفلسطينية لفكرة "نهاية أوسلو” حتى لا تحمل معها "نهاية وادي عربة” وحتى لا يولد سيناريو "انفجار يلحق بانهيار الإطار القانوني” والسلطة… لذلك حصريا تفاعل الأردن مع أبو ظبي في الملف الفلسطيني ثم مع الرئيس عباس وفي المحطة الثالثة لجأ للورقة المصرية.
وفكرة المشاورات واللقاءات والقمم الثنائية والثلاثية أساسها في مقاربة المؤسستين الأردنية والفلسطينية على الأقل تنشيط وإحياء "معسكر السلام العربي” في جناحه الجغرافي في مواجهة الخطاب "التصفوي” لليمين الإسرائيلي وواقع الحال مفتوح الاحتمالات.
وايضا في مواجهة "الاسترخاء الأمريكي” تجنبا لمرحلة ما بعد العبور من الربيع المقبل حيث تبدأ ورشة الانتخابات الرئاسية الأمريكية ويمكن لمصالح الأردن وعباس والسلطة ان تتحول إلى "فارق حساب” في وضع أكثر تعقيدا.
وعليه يتم التذكير بـ”المبادرة العربية” احترازا والاتفاق خلف الهامش على "توحيد اللغة واللهجة” بعد الآن مع الحرص على "تقديم مادة حيوية” تبقي مؤسسات العمق الإسرائيلي "الجيش والأمن” في موقعها الحالي من توازنات القوة ضمن المعادلة الإسرائيلية الداخلية برفقة تجنب أي مفاجآت أمريكية بخصوص مستقبل العلاقات الإسرائيلية – السعودية.
تلك "الهندسة المطلوبة” للمشهد برمته تطلبت فيما يبدو صياغة "بيان ختامي” عميق ومفصل هذه المرة يتمسك بالمبادرة العربية وبوجوب تنفيذ إسرائيل التزاماتها وتعهداتها وفقاً للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني والاتفاقات والتفاهمات الدولية السابقة.
كما تضمن البيان الختامي رسالة ثنائية من الملك والرئيس عبد الفتاح السيسي تحسم مسألة "بدائل الخلافة الفلسطينية” بـ”الدعم الكامل لجهود الرئيس الفلسطيني” مما يسمح لاحقا بمناقشة مسألة "ترتيب البيت الداخلي الفلسطيني” عبر ومع الرئيس محمود عباس فقط.
لاحقا تذكير بان السلام العادل الشامل هو خيار استراتيجي دولي وإقليمي ثم مبايعة من الملك عبدالله الثاني والرئيس عباس لبرنامج السيسي في "إنهاء الانقسام” وتوحيد الصف الفلسطيني مقابل دعم عباس والسيسي بدورهما لدور الوصاية الهاشمية الأردنية في سياق "تبادل تفويضات” ملحوظ للزعماء الثلاثة في البيان الختامي.
إلى ذلك، اعتبر السفير السعودي في فلسطين، نايف السديري، مسألة تعيينه سفيراً لدى دولة فلسطين وقنصلاً عاماً للسعودية في القدس، دعماً كبيرا للفلسطينيين "سيمنح العلاقة أبعادا أوسع وذات مردود إيجابي على الشعبين الشقيقين”.
وقال السديري في تصريحات صحافية إن السعودية أصبحت قوة إقليمية وعالمية فاعلة "وجسدت توظيف هذه المكانة في دعم الأشقاء في فلسطين بخطوة لها دلالات رمزية كثيرة والمتمثلة في تعيين سفير وقنصل عام في فلسطين”، معتبرا السعودية من أكثر الدول التي تقف إلى جانب الفلسطينيين، حيث "قدمت وتقدم الدعم السياسي والمادي والمعنوي، كما قدمت أيضاً الشهداء في حرب 48”.
وعن الدعم المالي أشار إلى ان السعودية قدمت "دعما للسلطة الفلسطينية تجاوز 29 مليار ريال سعودي، كما قدمت لـ "أونروا” ما يفوق الـ4 مليارات ريال، بينما قدمت عبر صندوق التنمية السعودي 18 مليارا، وبذلك يكون الإجمالي حوالى 51 مليار ريال سعودي”.
وتحدث السفير السديري أنه في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز "تبلورت أفكار جديدة لدعم القضية الفلسطينية حتى قدمها الأمير عبد الله آنذاك على شكل مبادرة سلام جديدة في قمة بيروت العربية 2002”.
وكانت الرياض قد أعلنت، السبت الماضي، عن خطوة تعيين سفير غير مقيم لها في الأراضي الفلسطينية، لأول مرة، في خطوة اعتبرها مراقبون تهدف لتوجيه رسالة لواشنطن وإسرائيل بشأن المطالب السعودية المتعلقة بموافقتها على التطبيع، وفقا لمراقبين.
في سياق متصل نشر السفير السديري صورة تاريخية لافتتاح قنصلية المملكة العربية السعودية في مدينة القدس الشرقية عام 1947، كما أرفقها بنص على منصة "أكس”، جاء فيه: "بتوجيه من المغفور له جلالة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن عام 1947، رعى العم عبد العزيز بن أحمد السديري افتتاح القنصلية العامة السعودية في القدس، حي الشيخ جراح”.
ويظهر في الصورة التاريخية عدد من الدبلوماسيين السعوديين، وعلى مدخل المبنى لافتة كتب عليها "القنصلية العامة” باللغتين العربية والإنكليزية مع شعار المملكة السعودية.
وكان السديري قد قال للصحافيين في عمان إن "التعيين يأتي لإعطاء العلاقات مع فلسطين الطابع الرسمي في جميع المجالات سواء السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية، ونتطلع إلى مستقبل واعد لهذه العلاقات”، من دون أن يعلن عن قرار بفتح سفارة في الضفة الغربية أو قنصلية عامة في القدس.
يذكر أن منشور السفير يأتي بعد ساعات من تعهد وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين بعدم السماح لأي دولة بفتح ممثلية دبلوماسية في القدس الشرقية تكون معتمدة لدى السلطة الفلسطينية.
القدس العربي