استعينوا بخبراء لتدريب الخطباء

جفرا نيوز - بقلم رمزي الغزوي

من المسلّمات أنه إذا كنت لا تعرف ماذا تريد أن تقول؛ فيمكنك أن تتحدث طويلاً، وبدون توقف من الآن. ولربما بهذا المعنى أجاب جورج واشنطن، أول رئيس أمريكي، حينما سُئل عن الوقت الذي يحتاجه لإعداد خطبة مدتها 5 دقائق؛ فقال إنه يحتاج إلى أسبوعين على أقل تقدير. ثم نظر إليهم وهمهم: وأستطيع أن أتحدث بلا توقف، إذا أردتم منذ الآن.

بعد صلاة الجمعة الماضية استاء بعض المصلين في واحد من مساجدنا من تشتت خطبة الجمعة وعدم وحدة موضوعها والأعم من طولها في ذلك اللهيب الحارق. فالخطيب سلق الناس في الحر ضاربا عرض الحائط تعليمات وزارة الأوقاف، غير مقدّر نظرات الغرابة والاستهجان في المصلين وهمهمات غضبهم.

في هذا الزاوية طالبت ومنذ سنوات عديدة أن تكون الخطبة في حدها الأعلى 10 دقائق. وهذه فترة طويلة إذا ما حضّر لها الخطيب، واجتهد وبحث وتدرب على إلقائها. العشرة دقائق في زمننا السريع أكثر من طويلة، وتستطيع أن تبث فيها كثيرا من الأفكار والمعلومات والمواقف.

كثير من خطبائنا لا يعرفون ما الذي يريدون قوله تحديداً؛ ولهذا تطول خطبهم وتتشتت وتأتي خبط عشواء وكأن الواحد منهم يريد أن يحيط بكل شيء في خطبته العرمرمية، ولهذا تراه بلا فكرة أو معنى أو مبنى.

بعضهم لا يعرف من الخطبة سوى (مطمطات) البداية و(كلاشيهاتها) المكرورة، ولا يتقن إلا الهروب من مواجهة موضوع الخطبة، إن كان لديه موضوع، بالحث الزائد والمتتالي على الصلاة على الرسول، عليه أفضل الصلوات والتسليم، ثم الأخذ من عمان والحطُّ في رمان؛ فتصبح الخطبة (شوربة)، لا جسد ولا رأس، ولا أثر سيعلق في نفس السامع إلا الغيظ.

لا نعرف على من يزاود خطيب جمعة حين يعتقل المصلين طوال هذه الفترة. ولا أعرف لماذا هذا التعذيب، وعدم مراعاة المريض وكبير السن وأشغال الناس. ويبدو وكأن بعض الخطباء يتلذذ في هذا ويمعن في تنفيذه.

الخطبة ليست للآذان. بل هي محراك للأفكار والمعاني. وهي ليست اجترارا لعبارات مستهلكة أيضاً، ولهذا نريد من الخطيب أن يحدثنا وهو على طبيعته، بذات نبرة صوته المعروفة، إلا أن يزعق ويصرخ ويزبد. والأهم أن يجتهد في الإعداد للخطبة والتدريب عليها والبحث في موضوعها.

ولهذا على وزارة الأوقاف أن تعيد النظر في عملية تدريب الخطباء، إن كانت هذه العملية موجودة أصلا. فنحن نستحق إن نحظى بخطباء يحافظون على وقتنا ويحترمون عقولنا وثقافتنا، وقد تستعين الوزارة بخبراء ومدربين، لأننا في زمن لا ضرورة فيه لزعيق بعض الزاعقين.