واشنطن تدير ظهرها لـ«كرد سوريا».. متى يتعظون؟

جفرا نيوز - بقلم محمد خرّوب

لم يعد السؤال ما اذا كانت الولايات المتحدة قرّرت التخلي عن «خدمات» ميليشيات كُرد سوريا التي تعمل تحت اسم «قوات سوريا الديمقراطية/قسد وذراعها السياسية/مسد، أم لا، بل متى وكيف ستعلن واشنطن «رسمياً» فك ارتباطها بهذا «التنظيم», الذي ظنَّ لفرط سذاجة قادته وكوادره أن الأميركيين صادقون في تحالفاتهم, وأنهم لن «يبيعوه» عند أول مفترق حاسم يواجه مشروعهم الرامي إلى تقسيم سوريا وفق أسس طائفية ومذهبية وعِرقية. خاصة أن «البديل» التركي جاهز لملاقاة المشروع الأميركي, على قاعدة التحالف الأطلسي الذي يجمع أنقرة بواشنطن, والذي?تجسّد مؤخراً من بين أمور أخرى في «التنازلات» التي قدمها الرئيس التركي أردوغان, عشية التئام قمة حلف شمال الأطلسي/الناتو في العاصمة الليتوانية فلينيوس/12 تموز الماضي. ومن هذه التنازلات (التركية) رفع الفيتو التركي على انضمام السويد لحلف الناتو، بل خصوصاً إعلان أردوغان خلال استضافته رئيس نظام كييف/زيلينيسكي «حق» أوكرانيا في الانضمام للناتو, وتقديمه «هدية» أخرى لزيلينسكي بتسليمه خمسة من قادة كتيبة آزوف النازية، التي كان تعهّد لنظيره الروسي/بوتين, أنهم لن يغادروا الأراضي التركية إلا بعد إنتهاء الحرب.. دون إهمال ?ودة الدفء التدريجي مع إدارة بايدن. وهو ما انعكس ليس فقط في استعداد واشنطن بيع أنقرة طائرات F-16 المُحدَّثة، إضافة إلى تحديث أسراب من الطراز ذاته تملكها تركيا, بل خصوصاً في التنسيق عالي الوتيرة والميداني بين واشنطن وأنقرة على الأراضي السورية, التي يتشارك الطرفان الأطلسيان احتلال شمال وشمال شرقي سوريا.

ثمن التقارب التركي ــ الأميركي, بل ما هو أبعد كثيراً وأعلى من مصطلح التقارب بين واشنطن وأنقرة, هو «تخلي» جيش الاحتلال الأميركي عن كرد سوريا «قسد/ ومسد» (بما هم ذراع لحزب العمال الكردستاني التركي PKK كما تتهمهم أنقرة), وهو أمر تشير المعطيات والوقائع الميدانية أنه بات مؤكداً, بل دخل مرحلة التنفيذ سواء من قبل جيش الاحتلال الأميركي, الذي شكّل قوة عسكرية يصل عديدها إلى 2500 عنصر من «القبائل العربية», سيتم نشرها في منطقة دير الزور وعلى الحدود السورية العراقية (معبر البوكمال المحاذي لمنفذ القائم العراقي), بهدف قط? طريق بغداد - دمشق - بيروت, كما يعلن الأميركيون بأن إيران تستخدمه, لتزويد عناصرها وحلفائها بالإمدادات اللوجستية والعسكرية وفق السردية الأميركية. زد على ذلك أن قيادة القوات الأميركية المحتلة في سوريا, باتت تصرف النظر تماماً عن الغارات التي تشنها طائرات مُسيرات تركية مُستهدفة عناصر قسد, في أكثر من موقع ومدينة وبلدة من مناطق سيطرة كُرد سوريا, التي يطلقون عليها مُسمّى «الإدارة الذاتية»، رغم مطالبات «قسد» للأميركان بالتدخل لِـ«لجم» الهجمات التركية, لكن الأميركيين لا يعيرون نداءاتهم أهمية تُذكر.

تتسارع الأحداث والتحالف الأميركي - التركي يبدو أنه استعاد زخمه, بعد أن «قدّم» الحليفان الأطلسيان تنازلات «مُتبادلة» ان صح القول، فالتنازل الأميركي الأبرز هو التخلّي عن كرد سوريا واعتبارهم تشكيلاً إرهابياً يتبع لحزب إرهابي هو PKK, فيما «أضاف» أردوغان تنازلات أخرى إلى تنازلاته التي سبقت انعقاد قمة الناتو الأخيرة, سواء لأوكرانيا أم للسويد بل واستعداده فتح مصنع للطائرات المُسيّرة في أوكرانيا. ما يعني مشاركة مباشرة إلى جانب أوكرانيا ضد روسيا.

اللافت في كل ما يجري وهو بات معلوماً ومعروفاً لدى كُرد سوريا, في قسد وإدارتهم الذاتية, لكنهم وقد ظنوا أن بمقدورهم الرهان على الأميركيين ومضوا غير آبهين برفضهم العودة إلى الخيار الوطني, عبر التخلي عن اوهام الانفصال التي سوّقها لهم الأميركيون, بدفعهم إعلان دولة مستقلة, لمنحهم اعترافاً وحماية اميركية، حداً وصل بهم إلى اعتبار انفسهم/الكرد في موقع الشريك مع الأميركيين، أمّا «الأخيرين» فلم يروا فيهم سوى «مُقاولين» في محاربة الإرهاب (والأصح أداة لتقسيم سوريا والحؤول دون استعادتها السيطرة على أراضيها المحتلة).. وه? هم الآن/كُرد سوريا يكتشفون كم كانوا سذجاً وواهمين بل أسوأ من ذلك بكثير, ولم يتعظوا من دروس التاريخ «الكردي» وعِبره, عندما تخلى الأميركيون خصوصاً (كما الأتراك) تاريخياً عن الكُرد, رغم وجود القواعد العسكرية الأميركية هناك, والتي يتم عبرها نقل الإمدادات اللوجستية والعسكرية الأميركية إلى سوريا, والعودة منها بالنفط السوري المنهوب، كما القمح والمنتجات الزراعية وغيرها.

في الخلاصة.. يجد كُرد سوريا الآن أنفسهم في «العراء»، بلا حماية أو تغطية أميركية. والأكثر خطورة أن قوات الاحتلال الأميركي لن تقف في وجه أي توغّل تركي, في مناطق سيطرة قوات قسد/الإدارة الذاتية، بل ربما ستطلب واشنطن منهم الانضمام إلى ميليشيات «الجيش الوطني» الذي دربه وسلّحه الاميركيون, كي يقاتلوا الجيش السوري و«يحتلّوا» معبر البوكمال ويكونوا وقوداً لمعركة حليفين أطلسيين يبحثان عن مصالحهما الأنانية والتوسعية, وهي معركة لن تقف عند هذا الأهداف الخبيثة بل ستُشعل المنطقة بأسرها.

.. والأيام ستروي.