إيران بين جزيرة أبو موسى وحقل الدرة

جفرا نيوز - بقلم عمر عليمات

تاريخياً، ومنذ الثورة الإيرانية في العام 1979 تعتبر إيران من أكثر الدول التي أُعطيت فرصاً سياسية لتعديل مسار علاقتها مع محيطها الإقليمي، وخاصة دول الخليج العربية، فرغم حجم التعقيدات السياسية والعسكرية والأمنية التي تشهدها علاقات طهران وعواصم المنطقة إلا أن ذلك لم يمنع تكرر محاولات بناء الثقة والانفتاح على النظام الإيراني.

دول الخليج العربية وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وغيرها من دول المنطقة انتهجت في المرحلة الحالية سياسة تصفير المشاكل وبناء الجسور والسعي نحو بناء الثقة مع مختلف الدول الإقليمية، وعلى رأسها تركيا وإيران، إلا أن النتائج واضحة للعيان ففي الوقت الذي استغلت فيه أنقره هذا الانفتاح لتعزيز علاقاتها وخاصة الاقتصادية مع المنطقة، واصلت طهران سياسة الاستفزاز واستعراض القوة، رغم أن الواقع يقول أن لا إيران ولا المنطقة قادرة على تحمل حروب وصراعات جديدة.

إيران وفي ظل الانفتاح الخليجي عليها، قررت التصعيد مع السعودية والكويت عبر إعادة قضية حقل الدرة إلى الواجهة، وإعلان عزمها التنقيب فيه، مع أن كلاً من الرياض والكويت تعتبران أن الحقل شأن خالص لهما، ولا علاقة لطهران به.

على الطرف الآخر، وفي ظل سياسة بناء الجسور وبناء الثقة تقوم طهران بمناورات عسكرية في جزيرة أبو موسى إحدى الجزر الثلاث التابعة لدولة الإمارات وتحتلها إيران، وزيادة في الاستفزاز تعلن طهران أن هدف المناورات هو حماية الجزر الثلاث، رغم أنها جزر محتلة، وتسعى الإمارات منذ عقود إلى تسوية هذا الخلاف عبر التحكيم الدولي الذي ترفضه إيران حتى الآن.

إيران ليست دولة ذات كيان مركزي يمكن التعويل عليه، فهي محكومة من دولتين، الأولى بقيادة المرشد وحرسه الثوري، والثانية بقيادة الرئيس المنتخب وحكومته المدنية، وبين الدولتين صراع نفوذ وصلاحيات، غالباً ما يفوز به المرشد، نظراً للطبيعة الدينية التي تصبغ النظام، ولحجم الإمكانيات التي تمتلكها المؤسسات التابعة للمرشد.

وما بين المرشد وحرسه والرئيس وحكومته تضيع الفرص السياسية التي تُمنح للنظام الإيراني، فالجناح المتشدد هو صاحب اليد الطُّولى، وهو الجناح المؤمن بالأيدولوجية الثورية ويريد تصديرها للمنطقة، وهذا ما يفسر السبب وراء عدم استغلال فرص التفاهم والتعاون الإقليمي، والسير تجاه تعقيد المشاكل وإثارة التوترات، فهذا الجناح يدرك أن تخليه عن هذه الأيديولوجية يضعف من قوته، فطالما كانت المشاكل الخارجية هي الرئة التي يتنفس منها، ويعزز نفوذه من خلالها.

إيران كدولة تتمتع بإمكانيات اقتصادية كبيرة خاصة النفط والمعادن إلى جانب ثروتها البشرية وموقعها الجغرافي الأمر الذي يمكن معه أن تكون شريكاً مؤثراً في الحوار الإقليمي والحلول السلمية، لكنها مصرة على سياسة التوترات والاستفزازات ودعم الميليشيات وإثارة الصراعات في المنطقة، ومستمرة في لعبة التهدئة الكلامية كلما ضاقت عليها الظروف والعودة لنهجها المتشدد مباشرة دون أي اعتبار لتعهداتها بالحوار والانفتاح على جيرانها.

ورغم إدراك دول الخليج العربية العميق لخطورة السياسة الإيرانية وخاصة المرتبطة بالبرنامج النووي وبرنامج الصواريخ الباليستية وتدخلاتها في الشؤون الداخلية إلا أنها قدمت الفرصة تلو الأخرى للنظام الإيراني، وفي المقابل يُمعن هذا النظام في قتل هذه الفرص وتعويمها بشكل يجردها من هدفها الرئيسي وهو استقرار المنطقة وازدهارها.

باختصار وبدون مواربة، إيران بعد الثورة كيان قائم على فكرة توسيع النفوذ وتصدير ايدولوجيته بناء على قناعات راسخة لدى أركان النظام بأن إيران اليوم جزء بسيط من إيران التي يريدونها، لذلك ستبقى تضيع الفرصة تلو الأخرى، فلا إيران ستخرج من قوقعة تصدير الثورة ولا دول الخليج ستسمح لأحد بالتمادي والمس بسيادتها.