لا ندم في ذكرى الرجل البدين
جفرا نيوز - رمزي الغزوي
يأتي فيلم «أوبنهايمر» الذي صدر حديثاً في دور السينما كسيرة ذاتية متشعبة للعالم الفيزيائي الأميركي روبرت أوبنهايمر الملقب بـ»أبي القنبلة النووية» الذي كلّفته سلطات بلاده في أربعينيات القرن الماضي بإدارة مشروع منهاتن السري لتطوير الطاقة النووية لتغدو سلاحا فتاكا.
في الفيلم، وبعد أن أجرى أوبنهايمر اختبار الانفجار فى نيو مكسيكو قال «أنا أصبحت الموت، محطم العالم»، لكنه وحتى بعدما استخدمت قنابله لقتل الآلاف لم يعلن ندمه عما فعله، ويبدو أن هذه ثيمة أمريكية اصيلة، ولهذا فنحن لا نصدق أيضا أن قائد قاذفة القنابل الأمريكية «Enola Gay» الكولينيل «بول تيبيتس» قد لطم حقاً وجهه صارخاً «يا الله ماذا فعلنا بالإنسان؟»وهو يرى غيمة الفطر العملاقة تلتهب تحته بعدإلقاء الطفل الوليد على هيروشيما في مثل هذا اليوم السادس من آب 1945، ثم وبعد ثلاثة أيام ألقت أمريكا بالرجل البدين على مدينة ناغازاكي فارشة سماءها الصافية بغيمة فطر تتميز غيظا أحمر يقطر موتا.
لم تشعر الولايات المتحدة الأمريكية للحظة واحدة بالندم، أو بالألم على ما أقدمت عليه، وهذا ما أفصح عنه رئيسها الأسبق باراك أوباما خلال زيارته لليابان قبل بضعة سنوات، بأنه لن يقدم اعتذارا بل من المهم الإقرار بأن على القادة في أوج الحرب اتخاذ كافة أشكال القرارات.
الطفل الوليد هو الاسم الحركي لتلك القنبلة التي قتلت أكثر من 140 ألف إنسان في لخطة واحدة. والرجل البدين تسمية ديناميكية للقنبلة الثانية وقد قتلت 74 ألف إنسان، ولربما أنها سميت بهذا تيمنا أو تهكما برئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل المعروف ببدانته، وقد دعمت بلاده المشروع الذي دفق كوكبنا الأزرق ببدايات رعب يتفاقم سنة إثر سنة.
بعد سنتين من الرجل البدين ظهر مصطلح «ساعة القيامة» من قبل مجلس إدارة مجلة علماء الذرة التابعة لجامعة شيكاغو. وهذه الساعة باتت تنذر بقرب نهاية العالم بسبب السباق المحموم بين الدول النووية، ولحظات طيشها ونزقها، حيث إن وصول عقارب الساعة إلى منتصف الليل، يعني قيام حرب تُفني البشرية حتى آخر رضيع فيها، فيما يُشير عدد الدقائق المتبقية التي تسبق تلك اللحظة إلى احتمال قيام القيامة المستطيرة.
لا نعرف كم دقيقة، أو ثانية تفصلنا عن انتصاف ليل تلك الساعة التي تذكرنا دوما بجسارة الإنسان على قتل أخيه الإنسان، بكل سلاح قد اخترعه، ولكن يبدو أن علينا أن نتفهم بشكل أكثر فطنة ما قاله أوباما من أن القادة المنغمسين في لهيب الحروب يحق لهم ما لا يحق لغيرهم حين يملكون قرار موت الجميع.
يقبع كوكبنا المكلوم اليوم بصورة أو بأخرى في قلب غيمة فطر رجل بدين، أو تحت رحمة طفل وليد، بكل ما تعنية الحالة وظلالها من خوف مرعب. فاحتمالات استخدام أسلحة نووية باتت لا تقل خطورة عن أي وقت منذ ذروة الحرب الباردة.