فاردات الانفصام العظيم
جفرا نيوز - بقلم رمزي الغزوي
الشارع العام كالمال العام، في عرفنا المسكوت عنه مجتمعياً، حيط واطئ يقفز عنه الجميع ويستبيحه دون أدنى شعور بالخوف. فدكانة صغيرة لربما تحتل نصف الشارع بعد اخذ الرصيف ببضاعته المندلقة بكل عنجهية. وخيمة سهرة عرس أو عزاء تغلق شارعا عاما يخدم آلاف الناس أيضا دون أدنى شعور بالحرج أو بمغص في أحشاء الضمير. ويمكن لفاردة طويلة عريضة أن تغلق شارعا دولياً، وتجبر الجميع خلفها على السير بإيقاعها ومزاجها.
قبل أيام شهد واحد من شوارعنا ما يمكن أن نسميه «تسكيرة تخريج». وهذه تقليعة عجيبة غريبة تدب وتشب في حياتنا في مثل هذه الأوقات، وتعطينا صورة عن غرور المجتمع وانفصامه. التسكيرة هي موكب بسيارات مفتوحة السقوف تطلق زواميها وأضواءها يتطوح منها شباب وشابات يلوحون بشهاداتهم الجامعية الساخنة. هذه (الفاردة) في كثير من الأحيان لا تعطل مسرباً واحدا من الطريق بل تأخذ المسربين وعلى المتضرر أن ينفلق كحبة بوشار. ولهذا الموكب أن يقف متى شاء وأين أراد، ولا يسمح لمرتادي الطريق إلا أن يموتوا بقهرهم إن استطاعوا.
عشرات السيارت تمارس العنجهية والاستقواء على الناس دون أدنى خوف، رغم ما قيل عن تشديد الرقابة على الظاهرة ومحاولة استئصالها. فيما لا أحد من الرهائن يجرؤ ويقول: لماذا تعتقلوننا خلفكم؟ خذوا مسربين أو اثنين أو ثلاثة، واتركوا لنا واحدا نمضي إلى حياتنا. لن يجرؤ أحد ويقول هذا. فمن ذا الذي يستطيع مشاكسة من يغلق طريقا عاما بهذه الطريقة. فالهدف مرصود وجواب جاهز على شكل هراوات غليظة تحت الكراسي.
يسرني أن يفرح الناس ويبتهجوا بإنجازاتهم. ويعجبيني أن يبتهج الخريجون بتخرجهم. ولكن ليس على حساب الآخرين ووقتهم وحريتهم، لماذا لا نفرح بدون استعراض للقوة والهيلمان وإثارة الفوضى وكسر القانون والقفز عن حيطه. هذا لا يعيدنا إلا إلى مربع الدولة الأول. فكيف نترك بعضنا يمارس ساديته المرضية ويستمتع بألمنا دون أن يُردع؟
الفاردة من رواسب الماضي ولم تعد تناسب حاضرنا، وقد أخذت اسمها من الفارد، وهو الجمل المزين والمزركش، فالعادة كانت أن يأتي أهل العريس بقطار طويل من الإبل، فارداً وراء فارد في زفة وغناء ليأخذوا العروس. وكلما كان القطار طويلاً كانت الهيبة أكبر. هذا مظهر من الوجاهة واستعراض القوة والفتوة وكأنها انتصار من نوع خاص.
الغريب في أمر غالبيتنا أننا نمقت الفاردات كلها ونزدريها، ونشتم من يقومون بها، إلا تلك التي نكون مشاركين فيها وتخصنا. فأي انفصام عظيم يشرخنا؟