ويليام سبيرمان.. عبقري الفيزياء الذي غيّر شكل ليفربول وكرة القدم

جفرا نيوز - في المؤتمر السنوي، الذي تعقده شركة "أوبتا" للإحصاءات الرياضية، كان إيان غراهم، مدير قسم الأبحاث في ليفربول، يجلس على كرسيه، ويبدو أنه الوحيد المهتم بالاستماع إلى أحد "المهووسين" بالأرقام وتحليل البيانات.

لم يلعب ذلك "المهووس" كرة القدم الاحترافية من قبلُ. في الحقيقة، لم يكن لاعب كرة قدم جيداً، لأنه ببساطة كان مهووساً بالفيزياء، ويدرس معادلة آينشتاين للطاقة والكتلة.

ذلك "المهووس" حقق ثورة في كرة القدم، من دون الحاجة إلى ركل الكرة، وعمل لاحقاً مع ليفربول، من دون معرفة كثير عن الدوري الإنكليزي.

وعلى الرغم من أنه أحد الأشخاص الذين لا يهتمون بأضواء الشهرة، فإنها ستلاحقه في كل الأحوال، لأنه أصبح مدير قسم الأبحاث في نادي ليفربول، خلفاً لغراهام. هذا الرجل هو ويليام سبيرمان.

فيزياء كرة القدم
عندما وقعت عينا إيان غراهام على ويليام سبيرمان، أدرك ما لم يدركه سائر المشاركين في مؤتمر "أوبتا"، وهو أن ذلك الرجل سوف يأتي بشيء جديد لكرة القدم.

لم يكن إيان المبعوث الوحيد من الأندية الأوروبية، الذي شارك في المؤتمر الأول في عام 2016، والثاني عام 2017، لكنه الوحيد الذي لم يُصَب بالملل بسرعة، وكان مستعداً للاستماع حتى إلى "تفاصيل التفاصيل".

يحمل سبيرمان دكتوراه في الفلسفة، لكن دراسته الفيزياء وحصوله على درجة الماستر من جامعة هارفارد هما اللذان مهّدا طريقه نحو عالم كرة القدم.

قبل اكتشاف نفسه من جديد، وبدء اهتمامه بكرة القدم بصورة عملية، كان سبيرمان عضواً في المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية CERN، التي اكتشفت جسيم "هيغز بوزون" في عام 2012.

كان سبيرمان مشغولاً كثيراً بدراسة ذلك الجسيم، قبل انضمامه إلى شركة HUDl لتحليل البيانات، والتي استحوذت في عام 2019 على شركة WyScout لتحليل الأداء بالفيديو.

حوّل بعدها سبيرمان اهتمامه إلى كرة القدم، وكان يحاول أن يمزج ما درسه في هارفارد وما يتعلمه في كرة القدم، من أجل ابتكار، أو في وصف أدق، من أجل تطوير واحدة من أدوات تحليل البيانات، التي سوف تُساعد أندية كرة القدم بصورة لا مثيل لها.

بيانات التتبع
في كرة القدم، هناك نوعان من البيانات: البيانات التي يُمكن رصدها، والأخرى التي لا يُمكن ذلك.

البيانات، التي يُمكن رصدها، والتي يُطلق عليها بالإنكليزية "Event Data"، هي الإحصاءات الهجومية والدفاعية، والتي يُمكن حسابها بسهولة، مثل المراوغات والتمريرات والعرقلات والتشتيت.

أمّا التي يصعب رصدها، فيُطلَق عليها بالإنكليزية "Tracking Data"، أو بيانات التتبع، وهي نوع حديث من البيانات، تدرس مدى جودة تحركات اللاعبين وتمركزهم، وكيف تؤثر في شكل الفريق ومسار اللعب.

لأعوام طويلة، لم تعتمد الأندية الأوروبية، بصورة كبيرة، على بيانات التتبع، لأنه كان يصعب وضعها في سياق منطقي ومترابط لفهمها، فهناك 23 نقطة على أرض الملعب تتحرك بصورة مستمرة، لمدة 90 دقيقة (22 لاعباً وكرة).

ولحسن حظ سبيرمان، كان تحليل النقاط المتحركة هو تخصصه. في الواقع، كان خبيراً في قياس كيفية تفاعل الجسيمات دون الذرية.

مثال: نماذج سبيرمان في بيانات التتبع سمحت له بفهم أكبر لمسارات التمرير، بحيث يقوم بدراسة مكان الكرة وتأثير اللاعبين من حولها، ونسبة قطع كل تمريرة بحسب المسار الذي قد تُلعب فيه.

في عام 2019، أجرى لوك بورن وخافيير فيرنانديز (من الشخصيات الرائدة في عالم تحليل البيانات في كرة القدم) دراسة، بالاعتماد على بيانات التتبع، من أجل فهم ذكاء ميسي الخارق في قراءة المساحات، وتحليل المواقف، وتوقّع مسار اللعب.

وتبيّن أن ميسي يخلق كثيراً من المساحات والفرص لزملائه في الفريق حتى عندما يختار عدم التحرّك، لذا استطاعت تلك البيانات قياس الأشياء التي لا يُمكن رصدها رقمياً، مثل مدى جودة تحركات اللاعبين وتمركزهم، وكيف تؤثر في شكل الفريق.

إن ذلك ما يُطلق عليه ويليام سبيرمان التحكم في الملعب، وهي العبارة التي رددها في المؤتمرات التي شارك فيها، ونالت اهتمام إيان غراهام، في الدرجة الأولى. فبيانات التتبع ليست مجرد نوع آخر من البيانات، بل هي نموذج، إذا درسته وفهمته جيداً، فسيُتيح لك فهماً أكبر لكل ما يجري في محيط الكرة. 

التحكُّم في الملعب
يقول سبيرمان في واحدة من حكمه: "الأهداف نادرة نسبياً في كرة القدم، لذا عليك أن تحاول تحديد كيفية وصولك إلى تلك الأماكن التي يمكنك التسجيل من خلالها".

إن دراسة تحركات اللاعبين من دون كرة وفهمها، كان لهما أثر كبير في تطوير مسار عمل يورغن كلوب مع ليفربول، وتشكيل هوية النادي، لكن لا يبدو الأمر كما لو أن هذه الإيجابيات هي فنية فقط.

يعمل سبيرمان مع ليفربول منذ عام 2018 كعالم رائد للبيانات، قبل أن تتم ترقيته خلال هذا العام إلى مدير قسم الأبحاث، خلَفاً لإيان غراهام.

ومن المتوقع أن يترك سبيرمان بصمته الخاصة في الأمور الإدارية الخاصة بالنادي، لأن البيانات، التي كان يدرسها ويطوّرها، ستكون عاملاً رئيساً في تغيير منهجية عمل أقسام الكشافة والتعاقدات في المستقبل.

هذا هو جوهر كرة القدم، ومفاده أنه ليس هناك مسار واحد تتخذه لتكون في القمة، فدراسة الجسيمات دون الذرية، كانت سبباً في إلهام شخص لم يلعب كرة القدم الاحترافية من قبلُ لتطوير بيانات جديدة، من شأنها إضافة شيء مغاير إلى اللعبة، وأن يرأس أحد أهم الأقسام الإدارية لأحد أعرق الأندية الأوروبية.