فإنّ الذكرى تنفع» المسؤولين»

جفرا نيوز- بقلم حسين الرواشدة

‏أُعيد التذكير بما سمعته من الملك، خلال لقائه مع عدد من الكتاب والصحفيين، قبل عامين بالتمام (26 تموز 2021 )، قال: لن اسمح لأحد أن يتدخل بعملية التحديث السياسي، وسنحاسب أي طرف أو جهة يثبت أنها وضعت العصي في دواليب هذه العملية، أو حرضت لتعطيل حركتها. أضاف: العمل الحزبي هو خيار الدولة ومشروعها للمستقبل، ولا أقبل بإعاقته، أو تعطيله، الأحزاب لا تِبنى من الأعلى للأسفل، ولابد من إعطاء الدور الأكبر للشباب، لقيادة الحياة الحزبية.

‏يتزامن هذا التذكير مع مرور نحو عامين على تشكيل لجنة التحديث السياسي، وبعد نحو شهرين من إصدار الهيئة المستقلة أسماء الأحزاب المرخصة (27 حزبا)، ومع نقاشات واسعة، تجري الآن، حول ما حدث على صعيد التحديث، ودور الشباب فيه، والاحزاب وكيفية تشكيلها، وفيما إذا كانت ثقة الأردنيين بسلوك إدارات الدولة، ونخب المجتمع، تجاه مشروع الدولة التحديثي، ما زالت كما كانت، او أنها تصاعدت، المقاربات، هنا، سواء على صعيد الفترة الزمنية، أو اتجاهات الرأي العام، أو المؤشرات الدالة على الالتزام بالمشروع، تستدعي مثل هذا التذكير.

‏أشرت، في مقالة سابقة، إلى أن لجنة تم تشكيلها - بمبادرة من الملك - لتقييم التجربة الحزبية، أشرت،أيضا، إلى أن معظم الأحزاب التي تم تشكيلها اختارت قياداتها دون صناديق انتخاب، وأن معظم صفوفها الأولى خالية من الشباب، كما أن المال السياسي بدأ يتسلل لبعضها، وخاصة استعدادا لمعركة قوائم المرشحين لانتخابات البرلمان بعد نحو عام، أشرت، ثالثا، إلى أن اغلبية من الشباب الأردني ما تزال عازفة عن الدخول للأحزاب، وأن الهواجس والمخاوف من الحزبية ما تزال قائمة، كما أن حوارات رئيس الوزراء، في ثلاث جامعات، كشفت عن أسئلة عديدة لدى قطاعات الشباب ما تزال بحاجة إلى إجابات عملية، أقصد بالإجابات تصويب سلوك إدارات الدولة، والمجتمع، لتنسجم مع مناخات التحديث السياسي ومتطلباته.

‏لا يراودني أي شك أن الإرادة السياسية، إرادة الملك تحديدا، لانجاح مشروع التحديث، قائمة وجدية وقوية، وهي في تقديري تستند لعدة اعتبارات، منها ان الدولة أدركت في لحظة ما أن «الإصلاح» السياسي أصبح ضرورة وجودية لبقاء الدولة واستمرارها، وضمان استقرار النظام السياسي فيها، كما أنها (الدولة) حسمت «أمرها» باتجاه تدشين مرحلة ديمقراطية يكون للناس فيها قرار ارادتهم الحرّة بالانتخاب والمشاركة في العمل العام (الأحزاب تحديداً) وبضمان أفضل مستوى من النزاهة، ومنها أن ثمة توجهاً جاداً لدى الدولة أيضاً بترسيم العلاقة بين المؤسسات الفاعلة في المجال العام، وأنه لن يسمح لأي «صراع» ان يدور بين مراكز القوى على ملف «الإصلاح»، وبالتالي فإن العلاقة المطلوبة ستكون في اطار التنسيق،وتقاسم الأدوار وبصورة واضحة.

‏إذا كان ذلك صحيحا، فإن السؤال، هو: هل وصلت الرسالة لإدارة الدولة ونخب المجتمع، ثم للأردنيين؟ وإذا كانت وصلت، فكيف تم التعامل معها، وما الذي يتوجب أن تفعله لتصحيح المسارات، ومعالجة الأخطاء أولا، ثم لاستدراك اي صدمة بامتحان التحديث في محطته الأولى، أقصد الانتخابات البرلمانية القادمة؟

‏بصراحة، تعمدت التذكير بما قاله الملك لكي أبعث الرسالة من جديد، ولكي أُوجه النقاش العام إلى هذا الموضوع الذي أعتقد انه يشكل الضمان الأهم لبناء الأردن وحمايته، وإخراجه من أزماته، فلا تقدم دون أن تتحرك عجلة السياسة في بلادنا، وفق المسارات الطبيعية، ولا استقرار وتنمية وعدالة دون أحزاب حقيقية، ممثلة للأردنيين، تتداول السلطة وتخضع لمساءلة البرلمان. باختصار، نجاح الأردن، الدولة والوطن، مرهون بنجاح مشروع التحديث، وحسب الأردنيين أن يدركوا ذلك، ويقتنعوا به، ثم يتكاتفوا للانخراط فيه، والدفاع عنه، وعدم السماح لأحد بالتجاوز عليه، او تعطيل قطاره، او العبث بسكته.