ما المطلوب لتحفيز القطاع الخاص لخلق مزيد من الوظائف؟
جفرا نيوز- تعاظمت معدلات البطالة، خلال السنوات الماضية، حتى بلغت مستويات قياسية، لا سيما خلال جائحة كورونا، ما زاد من أعداد العاطلين عن العمل، خاصة بين خريجي الجامعات.
خيارات محدودة لمواجهة هذه المشكلة، ومع محدودية القطاع العام، تتجه الأنظار للقطاع الخاص، ما يثير تساؤلات حول قدرته على استيعاب أعداد الخريجين الجدد، وما المطلوب لتحفيزه من أجل خلق المزيد من الوظائف؟
وأكد خبراء اقتصاديون، في تصريحات صحفية ، أن القطاع الخاص لديه قدرات كامنة على توليد فرص العمل وإتاحة المزيد منها للباحثين، في حال تمت معالجة التحديات والمعيقات التي تحد من نشاطه، لا سيما تحدي ارتفاع تكاليف الأعمال والمعيقات البيروقراطية وبعض التشريعات الاقتصادية، خاصة المتعلقة بقانوني الضمان الاجتماعي والمالكين والمستأجرين.
وفي سبيل تحفيز القطاع الخاص وزيادة قدرته على خلق فرص العمل، دعا الخبراء إلى إزالة المعيقات كافة التي تقف أمام القطاع الخاص لتحقيق النمو المرجو، إلى جانب تحقيق التكامل بين القطاعات الإنتاجية المختلفة، وإيجاد حلول حقيقية لمواجهة ارتفاع كلف الإنتاج، وعلى رأسها كلف الطاقة، بما يضمن ارتفاع القدرة الإنتاجية للقطاعات الاقتصادية، إضافة إلى توفير بدائل الطاقة وتحفيز استخدام الطاقة المتجددة الذي سيسهم في تعزيز تنافسية المنتجات الوطنية، وبالتالي خلق المزيد من فرص العمل.
وأكدوا ضرورة تطوير ومراجعة التشريعات الاقتصادية التي يقف بعضها عائقا أمام تطور وتوسع القطاع الخاص، خصوصا قانوني الضمان الاجتماعي والمالكين والمستأجرين، إلى جانب أهمية تقديم الحكومة للقطاعات الاقتصادية بعض الحوافز المرتبطة بالتشغيل، إذ من شأن ذلك أن يساعد على تسريع عملية خلق واستحداث فرص التشغيل.
ودعا الخبراء إلى العمل على زيادة معدلات النشاط الاقتصادي التي تؤدي إلى دفع عجلة النمو، وذلك من خلال تخفيض ضريبة المبيعات وزيادة الأجور التي لم يطرأ عليها أي ارتفاع منذ سنوات.
وكان رئيس الوزراء بشر الخصاونة، قال خلال جلسة حوارية جمعته مؤخرا مع طلبة جامعيين "إن واقع الحال يقول إن الحكومة لا تنظر لوظائف القطاع العام لحل مشكلة البطالة"، مؤكدا أن الدولة لا تستطيع أن توظف أكثر من 10-15 ألف مواطن سنويا في القطاع العام على مدى الأعوام المقبلة، على الرغم من أن الحقائق تؤكد دخول ما بين 120-130 ألف شخص سوق العمل المحلي سنويا في ظل نسب بطالة مرتفعة تصل إلى 22 %.
وكانت معدلات البطالة قد سجلت خلال الأعوام الخمسة الماضية 2018-2022 ارتفاعا بنحو 4.2 %، وبحسب بيانات دائرة الإحصاءات العامة، فقد بلغ معدل البطالة خلال العام 2018 ما نسبته 18.7 %، وفي نهاية العام الماضي وصل إلى نحو 22.9 %.
ويشار إلى أن معدل البطالة بلغ خلال الربع الأول من العام الحالي 21.9 %، بانخفاض مقداره 0.9 نقطة مئوية عن الربع الأول من العام الماضي، وبانخفاض مقداره نقطة مئوية عن الربع الرابع 2022، وفق ما أظهر التقرير الربعي الأخير لدائرة الإحصاءات العامة.
وقال رئيس غرفتي صناعة عمان والأردن فتحي الجغبير: "إن القطاع الخاص عادة ما يلعب دوراً مهماً وحيوياً في تحقيق التنمية والنمو على صعيد الاقتصاد ككل؛ حيث يعد القطاع الخاص أحد المحاور الرئيسية ذات القدرة العالية في تشغيل الأيدي العاملة داخل الاقتصاد الوطني والتي تعد ركنا أساسيا في تشغيل واستمرار عمل مختلف الأنشطة الاقتصادية في القطاع الخاص".
وأوضح الجغبير أن النسبة الكبرى من المشتغلين في الأردن تتركز بالقطاع الخاص وبحجم 680 ألف عامل وبنسبة تجاوزت 71 % من إجمالي القوى العاملة، وهذا ما يعكس النمو المستمر في القطاع الخاص وقدرته على جذب المزيد من الاستثمارات القادرة على خلق المزيد من فرص العمل وتشغيل العمالة المحلية والتخفيف من معدلات البطالة التي تصل لأكثر من 87 % من إجمالي فرص العمل المستحدثة داخل الاقتصاد الوطني.
ويبلغ عدد موظفي القطاع الحكومي 218 ألف موظف، بحسب آخر البيانات الصادرة بنهاية العام الماضي.
وشدد الجغبير على أن القطاع الخاص يحمل على عاتقه التوظيف للفترة المقبلة، وخاصة في ظل وقف التعيينات داخل القطاع الحكومي، إضافة إلى الاهتمام الملكي الجلي بالقطاع الخاص والقطاعات الرائدة فيه، وما أولت له رؤية التحديث الاقتصادي من أهمية في عدد من المجالات، وخاصة في ما يتعلق بتوليد فرص العمل خلال الفترة المقبلة، إذ يمكن القول إن القطاع الخاص حظي بأهمية ورهان واضح في قدراته التشغيلية، فقد ألقي كامل عبء خلق واستحداث فرص العمل على كاهله من خلال استيعاب أكثر من مليون شاب وشابة في سوق العمل، وتحديداً في القطاع الصناعي، من خلال توقع استحداثه ثلث فرص العمل المستهدفة.
ولفت إلى أن القطاع الصناعي يعد من ضمن القطاعات الأعلى تشغيلاً للعمالة ضمن القطاع الخاص خلال العام الماضي، بنسبة تجاوزت 23.4 % من إجمالي المشتغلين في القطاع، الأمر الذي يؤكد بلا شك قدرة القطاع الصناعي على استحداث فرص عمل وتشغيل الأيدي العاملة الأردنية والتقليل من معدلات البطالة، بالتزامن مع ضعف قدرة القطاع العام على استيعاب الأعداد الكبيرة من الشباب، ليصل إجمالي عمالة القطاع إلى حوالي 268 ألف عامل نهاية العام الماضي.
وأشار إلى انه خلال الفترة الممتدة من (2009-2018)، تمكن القطاع الصناعي وحده من استحداث ما متوسطه 5.5 ألف وظيفة سنوياً أو ما نسبته 10 % من إجمالي فرص العمل المستحدثة في الاقتصاد الأردني، ما يؤكد ما يمتلكه القطاع الصناعي من دور محوري ومهم في رفع معدلات التشغيل.
وبين الجغبير أن الاستثمارات الجديدة المستفيدة من قانون الاستثمار للعام الماضي، قادرة على توليد فرص عمل ضمن المشاريع الجديدة بما يقارب 48.3 فرصة عمل للمشروع الواحد، وقد وصلت قدرة الصناعة في استحداث فرص عمل في المشاريع الجديدة والمستفيدة من قانون الاستثمار لما يقارب (53) فرصة عمل لكل مشروع، حيث إن كل مليون تم استثماره في الاقتصاد الوطني من المتوقع أن يولد 52.3 ألف فرصة عمل.
ولتحفيز القطاع الخاص على توفير المزيد من فرص العمل، دعا الجغبير إلى العمل بنهج تشاركي متواصل وفعال من قبل القطاعين العام والخاص، والتركيز بشكل كبير على الأنشطة الاقتصادية الأكثر تشغيلاً للعمالة داخل الاقتصاد الأردني، وتبنيها ضمن السياسات والإستراتيجيات التنموية الوطنية، إضافة إلى التنفيذ الفعلي لرؤية التحديث الاقتصادي وما تضمنته من إطلاق للإمكانات الاقتصادية كافة والارتقاء بنوعية الحياة لجميع المواطنين.
كما دعا الحكومة إلى إزالة المعيقات كافة التي تقف أمام القطاع الخاص ذات العلاقة لتحقيق النمو المرجو، إلى جانب تحقيق التكامل بين القطاعات الإنتاجية المختلفة، وإيجاد حلول حقيقية لمواجهة ارتفاع كلف الإنتاج، وعلى رأسها كلف الطاقة، بما يضمن ارتفاع القدرة الإنتاجية للقطاعات الاقتصادية المختلفة، وعلى رأسها القطاع الصناعي.
ودعا كذلك إلى ضرورة تنفيذ الخطط والإستراتيجيات وتبنيها بالشكل المطلوب في دعم الصناعات الوطنية لرفع تنافسيتها وتوسيع الأسواق المستهدفة للصادرات الصناعية، لما لها من دور كبير في خلق فرص العمل وزيادة معدلات التوظيف، علاوة على تخفيض كلف الإنتاج، وعلى رأسها كلف الطاقة، والتي تعيق بشكل واضح قدرة الصناعة التنافسية، إضافة إلى العمل على توفير بدائل الطاقة وتحفيز استخدام الطاقة المتجددة الذي سيسهم في تعزيز تنافسية المنتجات الوطنية، وبالتالي خلق المزيد من فرص العمل.
وبدوره، أكد ممثل قطاع الخدمات والاستشارات في غرفة تجارة الأردن جمال الرفاعي لـ"الغد"، أن القطاع الخاص لديه قدرة عالية على توفير فرص العمل، خاصة وأنه من أكبر القطاعات المساهمة في زيادة معدلات النمو الاقتصادي.
وأشار الرفاعي إلى أن رفع قدرات القطاع الخاص على خلق فرص العمل يبدأ من خلال تمكين حقيقي للقطاع ليكون أكثر نهوضا وإنتاجية، وذلك من خلال دعوته إلى وجوب تطوير ومراجعة التشريعات الاقتصادية التي يقف بعضها عائقا أمام تطور وتوسع القطاع.
كما دعا إلى ضرورة تخفيض كلف الأعمال التي تعد مرتفعة جدا وتعيق أيضا القطاع أحيانا كثيرة من التقدم والنهوض، إلى جانب إعادة هيكلة النظام الضريبي وتخفيض الرسوم الجمركية.
ودعا الرفاعي كذلك إلى ضرورة التوجه نحو تنظيم آلية تقديم حوافز للقطاعات والمشاريع الاقتصادية التي تسهم في زيادة معدلات التشغيل وخلق فرص العمل، علاوة على وجوب الاهتمام بالقطاعات كثيفة التشغيل والدخل، خاصة قطاع السياحة الذي يشهد طفرة كبيرة مؤخرا.
إلى ذلك، أكد مدير مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية أحمد عوض، أن القطاع الخاص لديه إمكانيات هائلة لتوليد فرص العمل في حال ما تمت معالجة التحديات والمعيقات التي تواجهه، خاصة تحدي ارتفاع الكلف والمعيقات البيروقراطية.
وأوضح عوض أن القطاعين يخلقان حاليا ما مقداره 40 ألف فرصة عمل سنويا، إلا أن لديهما قدرة على توليد مزيد من فرص العمل، حيث إن القطاع العام ما يزال بمقدوره توظيف المزيد، لا سيما في قطاعي الصحة والتعليم اللذين يشهدان بعض النقص، ما يستوجب أن يتم توظيف المزيد بهما بدلا من الاكتفاء بالأعداد التقليدية للشواغر التي تتوفر به نتيجة لتقاعد بعض الموظفين أو التوسع التقليدي بإنشاء بعض المنشآت الجديدة.
وبين عوض أن الاستفادة من فاعلية التشغيل في القطاع الخاص تتطلب من الحكومة تسهيل وتهيئة كامل الظروف التي تضمن تدفق الاستثمارات على هذا القطاع، إلى جانب العمل على خفض كلف الإنتاج المرتفعة على القطاعات كثيفة التشغيل، لا سيما كلف الطاقة من خلال تقليل الضرائب غير المباشرة على المشتقات النفطية.
كما طالب بضرورة تقديم الحكومة بعض الحوافز المرتبطة بالتشغيل؛ حيث سيكون لذلك دور كبير في تسريع عملية توليد فرص العمل في القطاع، إلى جانب مطالبته بوجوب الحد من الإجراءات البيروقراطية التي تعد أحيانا معيقا حقيقيا أمام القطاع.
ولفت عوض إلى أن حل مشكلة البطالة بشكل عام يتطلب العمل على زيادة معدلات النشاط الاقتصادي التي تؤدي إلى دفع عجلة النمو الاقتصادي، وذلك من خلال تخفيض ضريبة المبيعات وزيادة معدلات الأجور التي لم يطرأ عليها أي أرتفاع على مدار سنوات طويلة، إلى جانب ضرورة التوسع في التعليم المهني وسد الفجوة بين حاجة سوق العمل ومخرجات التعليم.
الغد