مسرحية أوكسجين: إشكالية الحقبة الماضية والهروب إلى مابعد الشوارع الخلفية

جفرا نيوز - احمد الغلاييني 

بعيداً عن المكان ولكن في هم جغرافي مشترك يجتمع مثقف في احدى المقاهي ذات الفئة خمسة نجوم محاولاً ان يعطي لنفسه مكانة رغم تهميشه من قبل المجتمع ليمارس سطوته على نادلة كادحة.

وتكشف مسرحية "اوكسجين" والتي قدمتها فرقة المسرح الحر في باكورة إنتاجها للعام 2023 عن إشكالية اليسار وشعاراتها في زمن الأحكام العرفية في الحقبة الماضية في الأردن.

ورغم ان العمل لم يذكر صراحة أسم الوطن ولكن قدم رمزيات عديدة كجسر الحمام والذي يتواجد في وسط العاصمة والذي يوصل إلى عدة اسواق شعبية ابرزها سوق العصافير والذي تقام فيه "المزادات" ليومنا هذا لبيع الطيور.

وعلى رغم فشل اليسار بتطبيق نظرياته غير ان فشله لم يكن داخلياً فقط ولكن في اكثر من دولة عربية رمز لها الاردن في ظل حقبة الأحكام العرفية والعمل الحزبي السري، حيث يجسد الكاتب الهارب للشوارع الخلفية من عيون المخبرين الذي كان في تلك الفترة النضال والعمل السياسي وخاصة الحزبي الاحمر والأخضر يعد امراً خطيراً و العرض المسرحي الذي ادته الفنانة مرام ابو الهيجاء و الفنان علي عليان، يحاكي فترة سياسية معقدة التفاصيل في فترة الأحكام العرفية وحقبة النضال السياسي السري وصراعه مع رأس المال الذي استشرى في حقبة السبعينات، حيث كانت القيادات اليسارية تعمل على نظام الطاعة العمياء من قبل المؤمنين بالفكرة والذين يقعون بين سنديان النضال ومطرقة الرأس المال ودور القيادات في طرح المعتقدات وايمان الاخر بها الى درجة الطاعة العمياء، وعلى نفس السياق تجد ان العرض يحاكي واقع المرأة ودورها في النضال السياسي وهي زوجة السياسي الذي شاركته وفي علاقة ملتبسة بين الايمان بهموم الناس ومحاكمة العقول التي تقود العمل السياسي النضال ودورها في تسطيح هذا النضال وفلسفته الى مآرب خاصة .
المرأة في عرض "أوكسجين" تكون بمواجهة عنيفة تحمل فيها اخطاء اليسار ومعايشته للنظريات التي تطبق باسلوب سلبي اقرب الى حشو الادمغة منه إلى الإيمان المطلق بالتطبيق العملي لهذه النظريات، وهنا تحاول المرأة في طرحها ان تكون منحازة الى الطبقة الاجتماعية الفقيرة والتي تعتاش على ما يرمى من طعام الاغنياء في حاويات القمامة في حالة سردية عميقة المعنى ومؤثرة في إيصال رسالتها .
 
ويعد الإنتقال من حالات الاعتقال بين الرجل والمرأة في سردية ما حدث معه من اساليب تحقيق بين التعنيف والترغيب كما تجارب كلب بافلوف في نظرية المثير والاستجابة، والتي قد يقصد بها كاتب النص والمخرج والفنانين أن تجربة المحفزات العقلية قد أجريت على الإنسان العربي بحيث يتم مسح دماغه وربطه بالشرطي الرابط على صدره ذاك المخبر الإفتراضي الذي يتفاعل كلما سمع المواطن بإسم السلطة او تحدث بالسياسة فيكون لديه معتقد فوري للخوف.

أتقن الممثلين الخروج من حالة إلى اخرى ومن شخصية إلى شخصية بتقنيات جسدية متقنة وبحرفية عالية والذي كان بينهم تناغماً فنياً "هارمونيا
لعبة التمثيل داخل التمثيل كان معيارا اساسيا في سياق العرض لاضفاء حالة التنوع في الايقاع وبلعبة متقنة بين ممثلي العرض في الخروج من حالة الى اخرى ومن شخصية الى شخصية بتجسيد متقن وبحرفية عاليه قام بها ممثلا العرض الهيجاء وعليان، اللذان قدما انموذجا واعيا لماهية التمثيل المفعم بالحس العالي والتناغم الهارموني والايقاع المنسجم مع واقع الشخصيات .
لعبة المرايا شكلت الصورة السينوغرافية الابرز للعرض وكشفها في المشهد الاخير للعرض حين لحظة الاعتقال وانعكاس الممثلين بشكل مموه على المرايا وايضا وجود هلامية صورة الجمهور وانعكاسها على المرايا ليكشف لنا ان الجميع كان معتقل داخل الافكار وداخل المكان الزمان والمل متهم ولن تثبت برائته ، 
 
بقي القول أن عرض اوكسجين من اخراج فراس المصري والسينوغرافيا لمحمد المراشدة ونص علي عليان بالاضافة الى تمثيله الشخصية الرئيسية الى جانب مرام ابو الهيجاء وساهم في السيناريو يوسف بحري ومساعدة المخرج نور ابو سماقة وادارة انتاج زاهي الحمامرة وادارة منصة محمد ابو ديه .ِ